قَالَ تَعَالَى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبِّ السِّجْنُ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّ النُّونِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ «أَحَبُّ» : خَبَرُهُ. وَالْمُرَادُ الْمَحْبِسُ ; وَالتَّقْدِيرُ: سُكْنَى السِّجْنِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَيُقْرَأُ «رَبُّ» بِضَمِّ الْبَاءِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ، «وَالسِّجْنُ» بِكَسْرِ السِّينِ، وَالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَةِ ; أَيْ صَاحِبُ السِّجْنِ. وَالتَّقْدِيرُ: لِقَاؤُهُ أَوْ مُقَاسَاتُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَدَا لَهُمْ) : فِي فَاعِلِ «بَدَا» ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَ (لَيَسْجُنُنَّهُ) : قَائِمٌ مَقَامَهُ ; أَيْ بَدَا لَهُمُ السِّجْنُ، فَحُذِفَ وَأُقِيمَتِ الْجُمْلَةُ مَقَامَهُ، وَلَيْسَتِ الْجُمْلَةُ فَاعِلًا ; لِأَنَّ الْجُمَلَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ مُضْمَرٌ، وَهُوَ مَصْدَرُ بَدَا ; أَيْ بَدَا لَهُمْ بِدَاءٌ، فَأُضْمِرَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْفَاعِلَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ; أَيْ بَدَا لَهُمْ رَأَىٌ ; أَيْ فَأُضْمِرَ أَيْضًا. وَ (حَتَّى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِيَسْجُنُنَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ السِّينِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا ; وَالتَّقْدِيرُ: مَوْضِعَ السِّجْنِ، أَوْ فِي السِّجْنِ.
وَ (قَالَ) : مُسْتَأْنَفٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْمَنَامَ حَالَ دُخُولِهِ، وَلَا هُوَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْمَنَامِ.
(فَوْقَ رَأْسِي) : ظَرْفٌ لِأَحْمِلُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْخُبْزِ. وَ «تَأْكُلُ» : صِفَةٌ لَهُ.


الصفحة التالية
Icon