المكي والمدني:
٨- كان نزول القرآن منجمًا سببًا في أن بعضه نزل بمكة وبعضه نزل بالمدينة، فكان منه المكي ومنه المدني، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة يسمَّى مدنيًّا، وما نزل قبل الهجرة يسمَّى مكيًّا، فالتقييم زماني وليس بمكاني، ليست العبرة بمكان النزول، إنَّمَا العبرة فيه بزمانه.
والآيات المكية فيها بيان العقيدة الإسلامية، وبطلان عبادة الأوثان ومجادلة المشركين والدعوة إلى التوحيد، ومخاطبة العرب، وفيها قصص الأنبياء الذين جاءوا إلى بلاد العرب ولهم آثار في أجزائها تنادي بما صنع أقوامهم، وما أصابهم الله تعالى بكفرهم من حاصب، ومن خسف جعل عالي ديارهم سافلها، ومن ريح صرصر عاتية.
ولم يكن في الآيات المكية أحكام للمعاملات، وإن كان فيها إشارات إلى المحرمات كالخمر والربا، فقد قال تعالى مشيرًا إلى أن الخمر أمر غير حسن: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ٦٧]، فإن هذا النص الكريم يشير إلى أن الخمر ليست أمرًا حسنًا؛ لأنه -سبحانه وتعالى- جعلها مقابلة للأمر الحسن، ولا يقابل الحسن إلّا القبيح، أو على الأقل الأمر غير الحسن.
ولقد جاء أيضًا في سورة الروم ما يشير إلى أن الربا أمر غير مستحسن، فقد قال تعالى في سورة الروم: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩].
وإن عدم وجود أحكام للمعاملات في مكة سببه أن الدولة التي كانت قائمة كانت دولة شرك، وأن من المستحيل أن تنفذ أحكام المعاملات الإسلامية في ظلها، وكان


الصفحة التالية
Icon