الصرفة وبطلانها:
٣٣- عرف العرب أنهم عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن، وعلَّلوا عجزهم بما استرعاهم ما فيه من حلاوة اللفظ، وطلاوة المعنى والتركيب، وعمق ما اشتمل حتى إنه مغدق في جذوره، كلما تكشَّف القارئ عن عمقه رأى ما لا يصل إليه البشر، وكلما اتجه إلى أعلاه وجد ثمرًا شهيًّا.
هذا أمر ظاهر، ولكن الفلسفة التي تسيطر على عقول بعض الناس، ولا تكون فيها ثمرة ناضجة، قد يتجهون بها إلى كل ما يرونه بديئًا في التفكير، سواء أكان متصلًا بالحق المجرَّد أم لم يكن متصلًا، وسواء أكان متفقًا مع الإيمان والواقع أم لم يكن، بل إنَّ المتفلسفين ربما اتَّجهوا إلى الفكرة لا لأصالتها، ولكن لغرابتها، ولا لأنها لا بُدَّ منها لتحقيق الحق وإبطال الباطل، ولكن للترف العقلي، لا يفرقون بين أمر يتصل بالإيمان وأمر لا صلة له بالإيمان.
وإنَّ بعض المتفلسفين من علماء المسلمين اطَّلعوا على أقوال البراهمة في كتابهم "الفيدا" وهو الذي يشتمل على مجموعة من الأشعار، ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم، ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها؛ لأنَّ براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها.
يقول في ذلك أبو الريحان١ البيروني في كتابه "ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" ما نصه:
"إن خاصتهم يقولون: إنَّ في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها، ولكنهم ممنوعون من ذلك احترامًا لها".