وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية: ٣-٥].
تصوير الليل والنهار في آيات الإيلاج:
ولج أولج يولج بمعنى دخل وأدخل ويدخل؛ فيولج: أي يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل؛ فيصير ليلًا، أما الأولى فيصير نهارًا، وعلى ذلك فقد عددت آيات الإيلاج من الآيات التي تبدأ بذكر الليل أولًا وتقدمه من حيث اللفظ والظاهر، لا من حيث المضمون والشكل، كما في الآيات الأربع السابقة التي تقدم فيها ذكر النهار متقدمًا على الليل، وإن كان مختلفًا من حيث المعنى في آيات الإيلاج.
فأما آية الإيلاج الأولى في تصوير الليل والنهار فهي في قوله تعالى: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٢٧]، وتعجب كل العجب في نسقها القرآني؛ من خلال التصوير المعجز، وذلك في تلاحم التقابل والتزواج، فتصوير النهار أولًا في قوله تعالى: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ لأن النهار حياة ونشاط وعمل يتلاءم مع المتقدم وهو الحياة في الفقرة الأولى من الآية ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت﴾، وكذلك في تصوير الليل ثانيًا في قوله تعالى: ﴿وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل﴾، والليل سكون وصمت وموت، فيه الموتة الصغرى وهي "النوم"، وقد تتحول إلى الموتة الكبرى فيه، فتأخر تصوير الليل هنا عن النهار مع تصوير الموت، الذي وقع متأخرًا أيضًا في قوله تعالى: ﴿وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَي﴾ إنه البديع سبحانه وتعالى في التنسيق بين