ولما راجعه قومه لعناده بعد أن وقع في مأزق بهذا الحكم على القرآن الكريم وهو سفير عنهم، أخذ يفكر في التراجع عنه، ويفكر في طريقة الخلاص من هذا المأزق، فقال: إنه سحر يؤثر، وإن صاحبه لساحر، يفرق بين المرء وأهله، قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ١٦-٢٥].
لهذا قد اختلط الأمر عند كثير من النقاد في نقدهم، فكانوا يصفون الأدب الإنساني والبشري أحيانًا بالجمال والحلاوة، وحينًا بالجلال، كما أنهم فعلوا ذلك حينما تعاملوا مع القرآن الكريم كتاب الله العزيز الحكيم، فعبروا بالجمال والحلاوة وحدهما، وهذا لايكفي مطلقًا مع كتاب الله جل جلاله، وقليلًا ما يتعاملون معه في أحكامهم وإعجابهم بالجمال والحلاوة والجلال جميعًا، كالشأن عندهم في تعاملهم مع النص الأدبي للبشر، وهذه المنزلة تسمو على السابقة كثيرًا، لكنهم في الغالب لم يقصروا صفة الجلال دون غيره من الجمال والحلاوة على القرآن الكريم وحده، وإنما تعاملوا بالثلاثة دون تمييز بينها في نقدهم للنصوص الإنسانية.
لذلك أرى أن قضية "الجلال" ينبغي أن تكون مقصورة على القرآن الكريم وحده، فهو كتاب الله جل جلاله المقدس، ولا ينبغي أن نتعامل بها في الحكم على غيره مطلقًا؛ لأن كلام الخالق المبدع وكتابه المقدس يختلف -بلا موازنة ولا مقارنة- مع أدب مخلوقاته، فالمفاضلة


الصفحة التالية
Icon