يعترضه الشك، أنه لا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يعلق بعضها ببعض، ويبني بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب تلك، وإذا كان كذلك، فعلينا أن ننظر إلى التعليق فيها والبناء، وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها ما معناه وما محصوله"١.
ويوضح ذلك أكثر فيقول: "إنك ترى الرجل قد يهتدي في الأصباغ، التي عمل منها الصورة والنقش في ثوبه، الذي نسج إلى ضرب من التخير والتدبر في أنفس الأصباغ، وفي مواقعها ومقاديرها، وكيفية مزجها لها، وترتيبها إياها، إلى ما لم يهتد إليه صاحبه، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب، وصورته أغرب، وكذلك حال الشاعر في توخِّيهما معاني النحو ووجوهه، التي علمت أنها محصول النظم"٢.
الموضع الثاني: عندما عرض عبد القاهر قضية السرقات الأدبية تعرض للصورة الأدبية، فوضح أن التغاير في عرض وأسلوب المعنى الواحد بأسلوب آخر يكون حتمًا نتيجة للاختلاف في هيئة الصورة الأدبية، في أسلوب كل من الشاعرين، مع أن المعنى الأصلي كان واحدًا، ولا يمكن أن يتم الاتفاق إلا في حالة واحدة؛ وذلك حينما يغيّر الشاعر المتأثر واللاحق كل لفظ عند الشاعر السابق بلفظ يشبه الأول في المعنى، وهكذا في بقية الألفاظ، حتى يتحقق الإنفاق التام بين اللاحق والسابق، لأن الشاعر الثاني واللاحق والمتأثر لم يعرض المعنى في صورة جديدة.

١ دلائل الإعجاز: ص٩٧.
٢ المرجع السابق: ص١٢٣.


الصفحة التالية
Icon