كلب أهل الكهف:
قال تعالى: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ [الكهف: ١٨].
بالحروف والكلمات والصور المتنوعة بلغت هذه الصورة القرآنية حد الإعجاز الرباني، يعجز عنها العبقري في فن الرسم والتصوير والنحت، مهما استخدم أدوات اللوحة الفنية المتألقة التي عبر فيها بالألوان والأشكال والأحجام والأضواء والظلال، فلن تعط أكثر من لقطة واحدة، تجمدت على حركة ولون وشكل وضوء وظل واحد، لا يتكرر أبدًا ولا يتجدد مع المكان والزمان، ولا مع الفكر والثقافة، لكن الصورة القرآنية تتجدَّد مع الأزمان والأجيال الخالدة، فالتعبير بالفعل المضارع في "تحسبهم، ونقلبهم" يعطي الحركة المتجددة من حين لآخر، لأن أصحاب الكهف ليسوا أمواتًا بل أحياء، لكنهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، وتتجدد الألوان المتنوعة للنائم ما بين حمرة وصفرة وقتام، وتأمل صورة الكلب يحرسهم وهو يقظان، لا مستلقيًا على ظهره، ولا مضطجعًا، بل متوقزًا دائمًا يحملق بعينيه، ويقعي على رجليه، باسطًا ذراعيه على باب الكهف، فليس بعيدًا حتى يهملهم، ولا جبانًا يأنس إليهم في داخله. وفي صيغة اسم الفاعل في "باسط" ما يدل على دوام حراسته وعدم انقطاعه عنها لحظة واحدة.
مثل هذه الصورة المزعجة غير المألوفة في عرف البشر، تجعل الجريء لو أشرف من بعيد يفرُّ مذعورًا فلا ينظر وراءه.


الصفحة التالية
Icon