حين قيل لها: ادخلي قصر سليمان، وكان صحنه من زجاج تحته ماء يسبح فيه السمك، فكشفت عن ساقيها تحسب ما تمر فيه ماء، فنبهها نبي الله إلى أن الصحن أملس مكون من زجاج؛ فراعها ذلك المنظر المادي وعلمت أن مُكلها لا يساوي شيئًا بجوار ملك سليمان النبي.
﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤].
ومما ضربه الحق جل وعلا من الأمثال، وهو الذي لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، مثلًا لنوره سبحانه وتعالى، حتى يقرِّب المعنى إلى مفهوم عامة المسلمين، فيقرنه بشيء مرئي ملموس في حياتهم اليومية.
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ [النور: ٣٥].
فالمصباح موضوع في قارورة زجاجية صافية لامعه لمعان كوكب مشرق يتلألأ كالدر.
والقوارير التي أحسنت صنعتها وشفت، وخلت من الشوائب هي دائمًا من الأشياء التي تهفو إلى اقتنائها، واستخدامها كل الأفئدة في الحياة الدنيا، فلا عجب أن كانت أمثال تلك القوارير مما يعد الله المؤمنين في الجنة.
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾ [الإنسان: ١٥-١٦].


الصفحة التالية
Icon