السَّلَف فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْن عُمَر
إذَا قلد بدنته فَقَدْ أَحْرَمَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
وَقِيسِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ ابن زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ قَلَّدَهَا وَسَاقَهَا وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إنِّي قَلَّدْتُ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ
فَأَخْبَرَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ وَسَوْقَهُ كَانَ الْمَانِعَ له من الإحرام فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ التَّلْبِيَةِ فِي بَابِ الدُّخُولِ فِيهِ كَمَا كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ الْإِحْلَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ مَا
رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمُ فَلَا يُحْرِمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ
وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَا يُحْرِمُ إلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى تَعْنِي مِمَّنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ قَوْله تَعَالَى [فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ] اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِ الرَّفَثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هُوَ الْجِمَاعُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّعْرِيضُ بِالنِّسَاءِ وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه أنشد في حرامه:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا | إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا |
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ)
وَالْمُرَادُ فُحْشُ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالرَّفَثِ هُوَ التَّعْرِيضُ بِذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ فَاللَّمْسُ وَالْجِمَاعُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا كَمَا قال تَعَالَى [فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما] عُقِلَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ السَّبِّ وَالضَّرْبِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّفَثَ فِي شَأْنِ الصَّوْمِ فَقَالَ [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ] ولا خلاف أنه يريد بِهِ الْجِمَاعُ وَعُقِلَ مِنْهُ إبَاحَةُ مَا دُونَهُ كَمَا أَنَّ حَظْرَهُ الرَّفَثَ فِي الْحَجِّ وَهُوَ التعريض واللمس قَدْ عُقِلَ بِهِ حَظْرُ مَا فَوْقَهُ مِنْ الْجِمَاعِ لِأَنَّ حَظْرَ الْقَلِيلِ يَدُلَّ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ جِنْسِهِ وَإِبَاحَةُ الْكَثِيرِ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْقَلِيلِ مِنْ جِنْسِهِ