فظاهر الآية يقتضي وجوب إمرار الماء على الأعضاء الأربعة، ولو قال صاحب الشريعة: أمروا الماء على الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين، فإذا أمر الماء عليها على أي وجه كان، خرج عن مقتضى الأمر وكان ممتثلا، وليس يجب على المأمور إلا ما اقتضاه ظاهر الأمر.
إلا أن الشافعي يوجب الترتيب تلقيا من إدراج الممسوح في تضاعيف المغسولات، وأن ذلك لا يكون إلا عن قصد ترتيب الأشياء على النسق المذكور، كما قررناه في مسائل الفقه.
فإن قيل: فالأرجل معطوفة في المعنى على الأيدي، وأن معناها:
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤسكم، وإنما يمكن رد الرجل إلى اليد على تقدير رفع الترتيب.
قلنا: هذه جهالة، فإن الذي قلتموه ترتيب في المعنى ورد من هذه الجهة، وإن حصل الترتيب من حيث الزمان، ولو رتب البعض على البعض بكلمة، ثم لكان الذي ذكروه ممكنا، ولا حاصل لما قالوه.
واستنبط أصحاب أبي حنيفة من هذه الآية، أن الاستنجاء لا يجب لأن الله تعالى لما قال: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ)، كان الحدث مضمرا فيه، وتقديره: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون.
وقال في نسق الآية:
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) «١».
فلم يوجب عليه أكثر من المذكور، وذلك يدل على أنه إذا أتى بالمذكور استباح الصلاة.

(١) سورة المائدة آية ٦.


الصفحة التالية
Icon