أو قال: (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ)، وهو كناية عن الخارج النجس، ولم يقل اغسلوا موضع الخارج، وإنما قال فاغسلوا وجوهكم.
فيقال لهم: إن الذي ذكرتم ليس يدل على ما استنبطتموه، وذلك أن المراد منه بيان غسل ما لا يظهر أثر الخارج في غسله، وهو أعضاء الوضوء، فأما إزالة النجاسات عن البدن والثوب وغيرهما من المواضع النجسة، فحكمها مأخوذ من موضع آخر، وليس يقتضي بيان حكم الوضوء بيان حكم شرائط الصلاة كلها، فإن الصلاة موقوفة إجماعا على ستر العورة، ولا ذكر له في هذه الآية، وموقوفة على طهارة البدن والثوب مما فوق النجاسة التي يعفي عنها على مذهبكم، ولم يكن السكوت عنه مانعا عدم «١» اشتراط السكوت عنه في إجزاء الفعل، فاعلمه..
قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) «٢» :
إنما سمى جنبا لأجل ما لزمه من اجتناب أفعال بينها الشرع.
فالجنابة هي البعد والاجتناب، ومنه قوله تعالى: (وَالْجارِ الْجُنُبِ) «٣»، يعني البعيد منه نسبا، فصارت الجنابة في الشرع اسما للزوم اجتناب ما وصفناه من الأمور.
وأصله التباعد عن الشيء، ثم ليس بتباعد عن كل شيء، وإنما هو تباعد من شيء دون شيء، مثل الصوم: في الأصل عبارة عن الإمساك وليس الصوم في الشرع إمساكا عن كل شيء، إنما هو عن شيء دون

(١) الأصح: مانعا من اشتراط.
(٢) سورة المائدة آية ٦.
(٣) سورة النساء آية ٣٦.


الصفحة التالية
Icon