شيء، وبيان ذلك إلى الشرع. ومطلق اللفظ ينصرف إلى ما استقر عرف الشرع عليه.
واستنبط من أوجب المضمضة والاستنشاق من قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)، أنهما فرضان عليه، لأن قوله: (فَاطَّهَّرُوا) عموم، وقرر الرازي هذا في أحكام القرآن، ثم وجه على نفسه سؤالا فقال:
إن قال قائل: من اغتسل ولم يتمضمض ولم يستنشق يسمّى متطهرا، فقد فعل ما أوجبته الآية؟ فقال:
إنما يكون مطهّرا لبعض جسده، وعموم الآية يقتضي تطهير الجميع، فلا يكون بتطهير البعض فاعلا لموجب عموم اللفظ.
ألا ترى أن قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) «١»، عموم في سائرهم، وإن كان الإسم يتناول ثلاثة منهم؟ فكذلك ما وصفناه.
ولما لم يجز لأحد أن يقتصر من حكم آية قتال المشركين على ثلاثة منهم، لأن الإسم يتناولهم، إذ كان العموم شاملا للجميع، فكذلك قوله (فَاطَّهَّرُوا) عموم في سائر البدن، فلا يجوز الاقتصار على بعضه «٢».
فهذا ما ذكره سؤالا، واستدلالا وانفصالا..
والذي ذكره باطل عندنا قطعا، فإن صيغ جموع الكثرة حقيقة في الاستغراق، فهي فيما دونه مجاز، لأن الوضع الأصلي فيها الاستغراق.
فأما قوله: تطهر فلان، فليس حقيقة في قدر دون قدر، فإذا غسل أي موضع غسل من بدنه، فقد تطهر، ولم يذكر الله تعالى موضع

(١) سورة التوبة آية ٥.
(٢) انظر احكام القرآن للحصاص ج ٣ ص ٣٧٥- ٣٧٦.


الصفحة التالية
Icon