الطهارة أصلا، لا بلفظ يقتضي عموم البدن، ولا بلفظ يخالفه، وإنما قال فاطهروا، وليس فيه ما يوجب عموما أو خصوصا، ولكنه لإبانة ما يسمى اطهارا، ولا يمكنه أن يقول: من غسل بدنه جميعه إلا داخل الفم والأنف، فلا يقال له اطهر حقيقة، وما جاء به ليس باطهار حقيقة بل لفظ الاطهار في هذا القدر مجاز، كما أن الاستغراق فيما دونه مجاز وذلك يتبينه العاقل بأوائل النظر في مثل ذلك.
قال: إن المأمور خرج من موجب الأمر بما يسمى به متطهرا.
وقال تعالى في موضع آخر:
(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) «١»، يقتضي جوازها مع تركها «٢»، لوقوع اسم المغتسل عليه، واسم المغتسل حقيقة في حق من لم يتمضمض، واسم المتطهر حقيقة في حق من لم يتمضمض فلا حاصل لقوله هذا، فاعلمه وثق به.
قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) :
فهم العلماء من قوله مرضى، كون المرض مبيحا للتيمم إذا كان في استعمال الماء ضرر، لأنه لو لم يحمل على ذلك، كان ذكر المرض لغوا عند عدم الماء، ولم يفهموا من ذكر المسافر اعتبار السفر فقط، بل اعتبروا عدم الماء، وإن كان عدم في حق غير المسافر يبيح التيمم، لأن السفر يغلب فيه عدم الماء، ويندر في الإقامة مثل ذلك، فكان للسفر تعلق بعدم الماء، وليس للمرض تعلق به، فلم يفهم منه عدم الماء، وإنما فهم منه ما يفضي إليه المرض من الضرر باستعمال الماء.

(١) سورة النساء آية ٤٣.
(٢) يعني جواز الصلاة مع ترك المضمضة.


الصفحة التالية
Icon