فأبان بهذا الحديث أن المراد به انفاق بعض المال لا جميعه، وأن قوله (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ) المراد به منع الزكاة «١».
وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاة كنزه إلّا جيء به يوم القيامة وبكنزه فيكوى به جنبه وجبينه حتى يحكم الله تعالى بين عباده».
فأخبر في هذا الحديث، أن الحق الواجب في الكنز هو الزكاة دون غيرهما، إلى قوله تعالى: (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) «٢».
يعني أنه لم يؤدوا زكاته.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الذي لا يؤدي زكاته يمثل له ماله يوم القيامة شجاع أقرع له ذبيبتان تلزمه أو يطوقه، فيقول أنا كنزك أنا كنزك»، فأخبر أن المال الذي لا يزكى هو الكنز، فبان به أن الكنز اسم لما لا يؤدى زكاته في عرف الشرع، والوعيد انصرف إليه، فاعلمه.
قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ). الآية/ ٣٦.
وظاهر ذلك يدل على أن الواجب تعليق الأحكام المتصلة بالشهور والسنين، من عبادات وغيرها، بالأشهر العربية دون الشهور التي يعتبرها العجم والروم، وإن شهور الروم وإن لم تزد على اثني عشر، ولكنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين، ومنها ما ينقص، وشهور
(٢) سورة التوبة آية ٣٥.