ذلك اتباع أمر الله تعالى فيها، ورفض ما كانت عليه الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها، وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليها، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع في خطبته بالعقبة:
«أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض» «١».
وإن الذي تجعله الجاهلية، من جعل المحرم صفرا وصفر محرما، ليس يتغيرن ما وضعه الله تعالى.
والذين صاروا إلى جعل بعض السنين ثلاثة عشر شهرا، ليس على ما توهموه، لأن الله تعالى لم يضع غير اثني عشر شهرا، فهذا وجه.
ويحتمل أن يكون قوله في كتاب الله، أن الله تعالى قسم الزمان في الأصل اثني عشر قسما، فجعل نزول الشمس في كل برج من البروج الاثني عشر، قسما منها، فيكون قطعها للفلك في ثلث مائة وخمس وستين يوما وربع يوم، فيجيء نصيب كل قسم منها بالأيام ثلاثين يوما وكسر، وقسم الأزمنة أيضا على سير القمر، فصار القمر يقطع الفلك كل تسعة وعشرين يوما ونصف، وجعل السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وربع يوم، واختلفت سنة الشمس والقمر، مع اتفاق أعداد شهورها، وكان تفاوت ما بينها أحد عشر يوما بالتقريب، وكانت شهور القمر ثلاثين وتسعة وعشرين، فيما يتعلق بها من أحكام الشرع، ولم يكن للنصف الذي هو زيادة على تسعة وعشرين يوما حكم، وكان ذلك هو القسمة التي قسم الله تعالى عليها السنة في ابتداء وضع الخلق، ثم جاءت الأمم فغيرت هذا الوضع، وكان قصدهم بذلك أن لا تتغير الشهور عن

(١) أخرجه ابن جرير عن معمر بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله.


الصفحة التالية
Icon