فيه دلالة على أمور، منها أن من يريد بما يتكلفه من الطاعات أحوال الدنيا، أو يريد تحصيل العاجلة بغير الطاعة فهو متوعد، مثل أن يتزهد مراءاة للناس، أو لاعتمادهم على أقواله وائتمانهم له على أموالهم، فهو متوعد بالنار، وأن من يريد الله تعالى بمساعيه فله الثواب بحكم وعد الله تعالى.
قوله تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)، الآية/ ٢٣.
قرن ذكر الوالدين بعبادة الله سبحانه، فنبه به على عظيم إنعام الله تعالى المقتضي للشكر، ونبه بعد ذلك على عظيم نعم الوالدين، وبين إختلاف الوالدين، ليكون بره بهما وإحسانه إليهما على قدر حاجاتهما فقال:
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) «١»، فخص هذه الحالة بالذكر، وهي حالة حاجتهما إلى بره لتغيير الحال عليهما بالضعف النازل والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزم من قبل، لأنهما قد صارا في هذه الحالة كلا عليه، فيحتاجان إلى أن يلي من أمرهما للضعف النازل منهما «٢»، ما كان يحتاجه هو في صغره أن يليان منه، فذلك معنى تخصيص هذه الحالة بالذكر، ليبين ما يلزم من مزيد البر والتعاهد، وما يتصل بخدمة وإنفاق.
ودل قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ)، على وجوب صبره عليهما حتى لا يتبرم ولا يضجر، فإن العادة جارية في المتضجر عند الأمر أن يقول أف أو تف في الأمور، فبين الله سبحانه تحريم هذا القدر من
(٢) الأصح (بهما).