قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) : وترتب على ذلك اللعان متى كان حجة دامغة، فمتى لم يدفع الزوج بلعانه، كان بمثابة الأجنبي الذي لا يدفع الحد بالشهادة، وإذا لم يجعل الشرع اللعان حجة، فلا فرق بين أن يقذف حرة أو أمة، أو يكون القاذف حرا أو عبدا، فإنه حجة خاصة لمكان حاجة الزوجية.
وأبو حنيفة يرى اللعان شهادة من وجه، حتى لا يصح من العبد، مع أن حقيقة الشهادة لا تعتبر، فإن الشهادة في الأصل تصديق الغير، والملاعن يصدق نفسه، فحيث لا تعتبر حقيقة الشهادة ومعناها، كيف تعتبر صفتها الزائدة على معناها، فإن الشرائط تابعة للحقيقة، وهذا لا مخلص منه.
وربما قال:
إن اللعان شهادة في هذا المعنى، ثم لم يوفر عليها مقتضاها، فإن شهادة الحر على الأمة الكافرة مقبولة، ثم لا يلاعن المسلم والحر زوجته الكافرة والأمة، وعند ذلك نرجع إلى أصل آخر فنقول: في اللعان معنى العقوبة، فاللعان شرع قائما مقام الحد، ولا حد على الرجل المسلم يقذف زوجة، الأمة والكافرة، ومن قبل كان يرى اللعان شهادة، والشهادة تمتنع من الرقيق تعظيما لرتبة الشهادة، فإذا جعلهما حدا، كان شرعها باعتبار تحقيق من يلاعن، فمن عد بزنا ممن يجمع بين المتناقضين فنقول: اللعان شهادة، فلا يصح ممن لا يدلي بمنصب الحرية، ثم يحط اللعان إلى رتبة الحد المشروع إهانة للحدود، ويقال سبحان الله، عد اللعان مخلصا وتخفيفا من الله تعالى، فكيف يعد إهانة، وقد شرع إكراما وإعظاما؟
فهذه المناقضات كيف يمكن تلفيقها، ثم يرى اللعان شهادة ويقول:
إنه إذا لاعن فلا حد عليها، فإن بمجرد قوله لا يمكن إثبات حد على المرأة، ثم يقول: إذا لاعن الزوج فقد حد، فإذا أكذب نفسه كيف


الصفحة التالية
Icon