ومثله: (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) «١»، أي: ثم كفر بعضكم ببعض يوم القيامة، فأضمر «أن» ومثله: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)
«٢»، أي:
ويوم القيامة رؤية الذين كذبوا على الله، لأن قبله (أَنْ تَقُولَ) «٣»، و: (أَوْ تَقُولَ) «٤».
وقد قال أبو علي في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) «٥»، يجوز أن تقدر حذف «أن» كأنه: لا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فحذفت «أن» كما حذفتها في تأويل سيبويه في قوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «٦».
قال: وحذف «أن» قد جاء في غير شيء من كلامهم. قال:

وإن كبيراً لم يكن رب علبة لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا «٧»
أي: لدن أن صرحت. وأثبت الأعشى في قوله:
أراني لدن أن غاب رهطي كأنما يراني فيكم طالب الضيم أرنبا «٨»
وقد حذفت من الفعل وبنيت مع صلتها في موضع الفاعل.
أنشد أحمد بن يحيى لمعاوية بن خليل النصري:
وما راعني إلا بشير بشرطه وعهدي به فينا يفش بكير «٩»
فإذا وجهه على هذا سدّ «أن» مسد المفعولين.
(١) العنكبوت: ٢٥.
(٢) الزمر: ٦٠. [.....]
(٣) الزمر: ٥٦.
(٤) الزمر: ٥٧، ٥٨.
(٥) الأنفال: ٥٩.
(٦) الزمر: ٦٤.
(٧) العلبة: القدح الذي يحلب فيه. والبيت لمليح الهذلي.
(٨) البيت في الديوان (١٤: ١٩) :
أراني لدن أن غاب قومي كأنما يراني فيهم طالب الحق أرنبا
(٩) يفش: ينفخ. والكير: زق من جلد ينفخ فيه لحداد.


الصفحة التالية
Icon