كما أن قوله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) «١» فقال: هذا كلامه في الآية من «الحجة». وإن شئت فاسمع كلامه في موضع آخر، قال: ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنه مفعول به على الاتساع، وكان في الأصل ظرفاً، قوله: (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «٢» في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «٣»، والعامل في، الأيام «كتب»، تقديره: كتب عليكم الصيام أياماً معدودات، أي:
في أيام معدودات. وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به، فتقول على هذا: مكتوب أياماً عليه. ولا يستقيم أن ينتصب «أيام» ب «الصيام» على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام، لأن ذلك وإن كان مستقيماً في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك، ألا ترى أنك لو حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما، وذلك أن «أياماً» تصير من صلة «الصيام»، وقد فصلت بينهما بمصدر «كتب» لأن التقدير:
كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم، فالكاف فى «كما» متعلقة، ب «كتب»، وقد فصلت بها بين المصدر وصلته، وليس من واحد منهما.
فإن قلت: أضمر «الصيام» لتقدم ذكر المتقدم عليه، كأنه: صيام أياماً، فإن ذلك لا يستقيم لأنك لا تحذف بعض الاسم، ألا ترى أنه قد قال في قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلا الفرقدان «٤»
أنه لا يكون على: أن لا يكون الفرقدان، لحذفك الموصول، وكذلك الآية.
وإذ قد/ عرفت هذا وتبينت أن المصدر و «أن» مع ما بعده عندهم بمنزلة واحدة،

(١) العنكبوت: ٢.
(٣- ٢) البقرة: ١٨٣.
(٤) البيت لعمرو بن معد يكرب (الكتاب ١: ٣٧١).


الصفحة التالية
Icon