فاستواء العاكف والبادي، فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيه أولى بها من البادي بحق ملكه، ولكن سبيلهما سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه، وسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال: (سَواءً الْعاكِفُ) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع «العاكف» به كما يرتفع «بمستو»، ولو قال: مستوياً العاكف فيه والبادي، فرفع العاكف «بمستو» فكذلك يرفعه ب «سواء».
والأكثر الرفع في نحو هذا، وألا يجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة الفاعل، ووجهه أن إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة، نحو: رجل عدل، فيصير: عدل العادل. وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله:
فنواره ميل إلى الشمس زاهر «١»
فلولا أن «النور» عنده كاسم الفاعل لم يكسر تكسيره، فكذلك قول الأعشى:
وكنت لقى تجرى عليك السوائل «٢»
ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء درهمه وقال: مررت برجل سواء هو والعدم كما تقول: مستو هو والعدم، فقال:
سواء العاكف فيه والباد، كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد، فهو وجه حسن.
بمستأسد القريان حونباته
(٢) صدره:
وليتك حال البحر دونك كله
والرواية في الديوان: «عليه» مكان «عليك». والسوائل: المياه السائلة.