فأما قوله: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «١»، فقد تكلمنا فيه غير مرة في كتب شتى.
قال أبو علي: ينبغي أن يكون قوله «أو من وراء حجاب» إذا جعلت «وحيا» على تقدير «أن يوحى»، كما قال الخليل، ما لم يجز أن يكون على «أن» الأولى من حيث فسد في المعنى، يكون «من وراء حجاب» على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة ل «أن» الموصولة ب «يوحى»، ويكون ذلك الفعل «يكلم»، وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب، فحذف «يكلم» لجري ذكره أولا، كما حذف الفعل في قوله: (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) «٢» لجرى ذكره، والمعنى: / كذلك أنزلناه، وكما حذف في قوله: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) «٣».
قيل: والمعنى، الآن آمنت، فحذف حيث كان ذكر «آمنت» قد جرى.
وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة، لأنه بمنزلة المثبت، وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة.
ولا يجوز أن يقدر تعلق «من» من قوله «من وراء حجاب» إلا بهذا، لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بأجنبي ولا يجوز أن يقدر فصل بغير هذا، كما قدر في «أو» في قوله: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) «٤» لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله، وأنت إذا قدرت «أو من وراء حجاب» متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي، إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد.
وأما من رفع فقال: «أو يرسل رسولا»، فينبغي أن يكون قوله «أو من
(٢) الفرقان: ٣٢.
(٣) يونس: ٩١. [.....]
(٤) الأنعام: ١٤٥.