[سورة المائدة (٥) : آية ٤٤]

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤)
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ «هدى» في موضع رفع بالابتداء ونور عطف عليه وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عطف على النبيين. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ رفع بالابتداء وخبره: فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وقد ذكرنا معناه. ومن أحسن ما قيل فيه قول الشّعبيّ قال: هذا في اليهود خاصة ويدلّ على ما قال ثلاثة أشياء: منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله لِلَّذِينَ هادُوا فعاد الضمير عليهم، ومنها أن سياق الكلام يدلّ على ذلك ألا ترى أنّ بعده. وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها فهذا الضمير لليهود بإجماع وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص فإن قال قائل «من» إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلّا أن يقع دليل على تخصيصها، قيل له «من» هاهنا بمعنى الذي مع ما ذكرنا من الأدلّة والتقدير: واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فهذا أحسن ما قيل في هذا، وقد قيل: من لم يحكم بما أنزل الله مستحلّا لذلك. وقد قيل: من ترك الحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٥]
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)
الآية فيها وجوه «١» : قرأ نافع وعاصم والأعمش بالنصب في جميعها، وهذا بين على العطف. ويجوز تخفيف أن ورفع الكل بالابتداء والعطف، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب الكل إلّا الجروح. قال أبو جعفر: حدّثنا محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثنا حجّاج عن هارون عن عبّاد بن كثير عن عقيل عن الزهري عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ «٢» الرفع من ثلاث جهات بالابتداء والخبر، وعلى المعنى لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس، والوجه الثالث قاله أبو إسحاق «٣» : يكون عطفا على المضمر. فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ شرط وجوابه ويجوز في غيرة القرآن فمن اصّدّق به.
(١) انظر البحر المحيط ٣/ ٥٠٦، ومعاني الفراء ١/ ٣٠٩.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣١٠.
(٣) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج ٦٦٤.


الصفحة التالية
Icon