الشمس في الضحى فر إلى الشام وأرسل للمنافقين من قومه أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا فإنى سآتى لكل بجند قيصر لمحاربة محمد وأصحابه، ولقد صدق المنافقون قوله وبنوا المسجد للضرر وللكفر وللتفريق بين المؤمنين، ولانتظار أبى عامر الراهب ليحارب الله ورسوله.
وليقسمن بعد ذلك كله: ما أرادوا إلا الحسنى وأنهم بنوه للضرورة والحاجة التي تلم بالضعفاء، وأنهم بنوه رفقا بالمسلمين وتيسيرا لصلاة الجماعة على الضعفاء والمعذورين الذين يحبسهم المطر في الليلة المطيرة، كذبوا!! والله يشهد إنهم لكاذبون في ادعائهم، منافقون في أعمالهم!! أما أنت أيها الرسول فلا تقم فيه أبدا على معنى لا تصل فيه أبدا، والنهى عن القيام يفسر بالنهى عن الصلاة كما روى عن ابن عباس، وانظر إلى التقييد بقوله أبدا وهو ظرف يستغرق الزمن المستقبل كله، ونهى النبي صلّى الله عليه وسلم يشمل المؤمنين كذلك.
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى أى: والله لمسجد كان أساسه والغرض من بنائه من أول يوم بنى هو تقوى الله بإخلاص العبادة فيه، وجمع المؤمنين على محبة رسول الله والعمل على وحدة الإسلام، والتعاون على البر والتقوى لمسجد هذا وصفه أحق بالقيام فيه من غيره خصوصا مسجد هؤلاء المنافقين الذين بنوه لغرض حقير كشف الله سترهم فيه، وبين مقصودهم منه.
وهل هذا المسجد هو مسجد قباء أو مسجد الرسول في المدينة أو الكلام يشمل الاثنين؟ والله أعلم وإن كان الظاهر أن الكلام يشمل الاثنين لوجود الوصف فيهما، هذا المسجد فيه رجال يعمرونه بالاعتكاف والصلاة مخلصين لله قانتين، يحبون أن يتطهروا من دنس المعاصي، ورجس العبودية، وقذارة النجاسة فالمتطهرون طهارة حسية ومعنوية.
والله يحب المتطهرين المبالغين في الطهارة القلبية والروحية، والجسدية والمعنوية وهؤلاء هم الكاملون في الإنسانية، أما محبة الله لهم فهذا شيء هو أعلم به إلا أنا نعرف من الحديث أن الله يحب من عباده الصالحين الموفقين إلى الخير
«لا يزال عبدى يتقرّب إلىّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الّذى يسمع به وبصره الّذى يبصر به»
إلى أخر الحديث الشريف.