لقد تاب الله على النبي صلّى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار مما ألم به بعضهم، وذلك لأنهم اتبعوا النبي صلّى الله عليه وسلم ساعة العسرة والشدة، ولبوا نداء الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
وكانت عسرة في الزاد حتى اقتسم بعضهم التمرة، وفي بعض الروايات كانوا يمتصونها وقد تزود بعضهم بحفنة شعير مسوس وتمر فيه دود، وكانت عسرة في الماء حتى أنهم نحروا البعير وعصروا كرشه ليبلوا به ألسنتهم، وكانت عسرة في الظهر حتى كان العشرة يعتقبون بعيرا واحدا، وعسرة في الزمن إذ كان الوقت في نهاية الصيف حيث يشتد الحر ويكثر القيظ والعطش، وفي أخبار السير الشيء الكثير عن الشدة التي كانوا فيها.
أولئك اتبعوا النبي صلّى الله عليه وسلم من بعد ما قرب أن يزيغ قلوب فريق منهم عن صراط الإسلام بعصيان الرسول، والتخلف بغير عذر مقبول، والظاهر والله أعلم أنهم المتخلفون بغير عذر، ولا نفاق معهم وهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا واعترفوا بذنوبهم فتاب الله عليهم. إنه بهم رءوف رحيم.
أما الثلاثة الذين خلفوا أى: أرجئوا حتى ينزل فيهم قرآن وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. فقد تاب الله عليهم بعد أن أرجئوا خمسين يوما بعد مجيء الرسول إلى المدينة، وخير ما يبين لنا هذه الآية وما بعدها حديث كعب ابن مالك المروي في كتب الحديث وأشهر كتب التفسير وخلاصته:
روى الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال- أى عبد الله-: سمعت عن كعب يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك.
قال كعب ما معناه: لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أنى تخلفت في بدر، ولم يعاتب أحد عن التخلف عنها لخروج النبي صلّى الله عليه وسلم إلى العير إلخ ما هو معروف.. تخلفت عن غزوة تبوك ولم يكن أحد أقوى منى ولا أيسر، وكانت عندي راحلتان وكان رسول الله قلما يريد غزوة إلا ورى بغيرها إلا هذه فكانت في حر شديد وسفر بعيد، ومع عدو كثير فجلا للمسلمين أمرهم ليأخذوا حذرهم، ويتأهبوا لغزوهم، وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين الثمار والظلال وأنا إليها أصعر (أى أميل) وتجهز معه المسلمون: وطفقت أعدو لكي أتجهز فأرجع ولا أقضى، فأقول أنا قادر على ذلك إن أردت!! فلم يزل ذلك يتمادى حتى استمر