الرجل كان يتزوج المرأة بلا مهر ويقول لها: أرثك وترثيننى؟ فتقول: نعم. فأمروا أن يسرعوا إلى إعطاء المهور «١».
وقيل: الخطاب لأولياء النساء، وذلك لأن العرب في الجاهلية كانت لا تعطى النساء من مهورهن شيئا، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النافجة. أى هنيئا لك هذه البنت التي تأخذ مهرها إبلا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أى تزيده وتكثره.
وقد رجح ابن جرير كون الخطاب للأزواج فقال: «وذلك لأن الله- تعالى- ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين للنساء، ونهاهم عن ظلمهن. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم. فإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذين قيل لهم: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ هم الذين قيل لهم: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ وأن معناه: وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في الأول: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ.. ولم يقل «فأنكحوا» حتى يكون قوله: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ مصروفا إلى أنه معنى به أولياء النساء دون أزواجهن. وهذا أمر من الله لأزواج النساء المسمى لهن الصداق أن يؤتوهن صدقاتهن» «٢» والذي نراه أن الخطاب في الآية الكريمة يتناول كل من له علاقة بالنساء من الأزواج أو الأولياء وغيرهم من الحكام الذين إليهم المرجع في رد الحقوق إلى ذويها، والضرب على أيدى المعتدين والطامعين في حقوق النساء، وذلك لأن الخطاب من أول السورة موجه إلى الأولياء والأزواج فناسب أن يكون الخطاب هنا شاملا لكليهما فإن أعطوهن عن رضا كان حسنا وإلا أجبرهم الحكام على ذلك.
وقوله نِحْلَةً منصوب على الحالية من قوله صَدُقاتِهِنَّ أى: منحولة معطاة عن طيب نفس. أو منصوب على الحالية من المخاطبين. أى آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء.
وفي التعبير عن إيتاء المهور بالنحلة مع كونها واجبة الأداء. لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضا وطيب الخاطر دون أن يكون لهذه النحلة مقابل.
وقوله- تعالى- فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً بيان للحكم فيما إذا تنازل النساء عن شيء مما أعطوا عن طيب خاطر منهن أى عليكم أيها الرجال أن تدفعوا للنساء مهورهن مناولة أو التزاما، فإن حدث وتنازل لكم النساء عن شيء من هذه المهور بسماحة
(٢) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٢٤٢ بتصرف يسير.