ورضا نفس، فكلوه أكلا سائغا، حميد المغبة، حلال الطعمة، خاليا من شائبة الحرام والشبهات:
والضمير المجرور في قوله مِنْهُ يعود إلى الصدقات أى المهور.
وجيء به مفردا مذكرا، لجريانه مجرى اسم الإشارة كأنه قيل: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من ذلك المذكور وهو الصدقات فكلوه.
قال صاحب الكشاف: وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل: فإن طبن ولم يقل فإن وهبن أو سمحن، إعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب عن طيب خاطر.
والمعنى: فإن وهبن لكم شيئا من الصداق، وتجافت عنه نفوسهن طيبات لا لحياء عرض لهن منكم أو من غيركم، ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم، وسوء معاشرتكم فكلوه هنيئا مريئا» «١».
وقوله نَفْساً منصوب على التمييز من الضمير وهو نون النسوة في قوله طِبْنَ.. وهو محول عن الفاعل والأصل فان طابت أنفسهن عن شيء منه فكلوه.
وجيء به مفردا لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه كقولك: عندي عشرون درهما.
والمراد بالأكل في قوله فَكُلُوهُ مطلق التصرف والانتفاع.
وإنما خص الأكل بالذكر، لأنه معظم وجوه التصرفات المالية.
وقوله هَنِيئاً مَرِيئاً حالان من الضمير المنصوب في قوله فَكُلُوهُ أو منصوبان على أنهما نعت لمصدر محذوف. أى فكلوه أكلا هنيئا مريئا. وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ. يقال:
هنؤ الطعام وهنيء هناءة. إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. وقيل الهنيء ما أناك بلا مشقة ولا تبعة.
ويقال مرأ الطعام- بتثليث الراء- مراءة فهو مريء، إذا كان حميد المغبة والمراد المبالغة في تحليل ما يأتيهم من نسائهم عن طيب خاطر منهن، فقد كانوا يتأثمون من أخذ شيء من مهور نسائهم، فقال الله- تعالى- لهم: إن طابت نفوسهن بالتنازل عن شيء من مهورهن لكم فكلوه هنيئا مريئا، لأنه حلال خالص من الشوائب.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: أنه لا بد في النكاح من صداق يعطى للمرأة سواء أسمى ذلك في العقد أم لم يسم. قال القرطبي: وهو مجمع عليه ولا خلاف عليه «٢»
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٢٤.