لأجلهم إلى أن يزول عنهم السفه. والمقصود من كل ذلك الاحتياط في حفظ أموال الضعفاء والعاجزين» «١».
وقيل: إن الخطاب في الآية الكريمة للآباء، والمراد من السفهاء الأولاد الذين لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه، بل إذا أعطى لهم أفسدوه وأتلفوه.
وعلى هذا الرأى تكون إضافة الأموال إلى المخاطبين على سبيل الحقيقة.
ويكون المعنى: لا تؤتوا أيها الآباء أموالكم لأولادكم السفهاء لأن في إعطائكم إياها لهم إفسادا لهم مع أن فيها قوام حياتكم وصلاح أحوالكم.
والذي نراه أن الخطاب في الآية الكريمة لجميع المكلفين حاكمين ومحكومين ليأخذ كل من يصلح لهذا الحكم حظه من الامتثال. وأن المراد بالسفهاء كل من لا يحسن المحافظة على ماله لصغره، أو لضعف عقله، أو لسوء تصرفاته سواء أكان من اليتامى أم من غيرهم لأن التعميم في الخطاب وفي الألفاظ- عند عدم وجود المخصص- أولى، لأنه أوفر معنى، وأوسع تشريعا.
وفي إضافة الأموال إلى جميع المخاطبين المكلفين من المسلمين إشارة بديعة إلى أن المال المتداول بينهم هو حق لمالكيه المختصين به في ظاهر الأمر، ولكنه عند التأمل تلوح فيه حقوق الأمة جمعاء لأن وضعه في المواضع التي أمر الله بها منفعة للأمة كلها، وفي وضعه في المواضع التي نهى الله عنها مضرة بالأمة كلها، وتعاليم الإسلام التي تجعل المسلمين جميعا أمة واحدة متكافلة متراحمة تعتبر مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين.
وبعد أن نهى- سبحانه- عن إيتاء المال للسفهاء، أمر بثلاثة أشياء، أولها وثانيها قوله- تعالى- وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ.
أى اجعلوا هذه الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم، بأن تتجروا فيها حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من أصل المال لئلا يفنيه الإنفاق منه.
وإنما قال: وَارْزُقُوهُمْ فِيها ولم يقل «منها» لئلا يكون ذلك أمرا بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويستثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال.
أما الأمر الثالث فهو قوله- تعالى-: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً.
والقول المعروف هو كل ما تسكن إليه النفس لموافقته للشرع وللعقول السليمة، كأن يكلموهم كلاما لينا تطيب به نفوسهم، وكأن يعدوهم عدة حسنة بأن يقولوا لهم: إذا صلحتم