فخر المشرك مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه. فجاء فحدث رسول الله ﷺ فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة «١».
٢- وجاء عنه أنه قال- أيضا-: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء، ويوم أحد عمائم خضراء، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر وكانوا فيما سواه عددا ومددا «٢».
٣- وعن أبى داود المازني قال: تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر. فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي.
٤- وروى عن عبد الله بن مسعود أن أبا جهل سأله يوم بدر: من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمعه ولا نرى شخصا؟ فقال: من الملائكة، فقال له أبو جهل: هم إذن غلبونا لا أنتم «٣».
٥- وقال القرطبي: وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت. ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب- أى الطريق في الجبل- الذي خرجت منه الملائكة. لا أشك ولا أمارى.
وعن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فتقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه «٤».
هذه أهم الروايات التي استند إليها العلماء الذين يرون أن الملائكة قد قاتلوا مع المؤمنين يوم بدر، وعلى رأس هؤلاء العلماء القرطبي، فهو يرى أن هذا هو الصحيح وأنه رأى الجمهور.
(ب) أما القسم الثاني من العلماء فيرى أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين في المعركة، وتقوية أرواحهم وقلوبهم، واستدلوا على ذلك بأدلة من أهمها:
١- أنه ليس في الآيات القرآنية التي تحدثت عن غزوة بدر آية واحدة صريحة في أن الملائكة قد قاتلت بالفعل، وإنما هي صريحة في أن الله- تعالى- قد أمد المؤمنين بالملائكة، وجعل هذا الإمداد بشارة لهم.
قال الآلوسى عند تفسيره لقوله- تعالى: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى.. وفي الآية إشعار بأن الملائكة لم يباشروا قتالا، وهو مذهب لبعضهم. ويشعر ظاهرها بأن النبي- ﷺ أخبرهم بذلك الإمداد، وفي الأخبار ما يؤيد ذلك. بل جاء في غير ما خبر أن

(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٧٨.
(٢) معالم التنزيل للبقرى ج ١ ص ١٠.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٠١.
(٤) تفسير القرطبي ج ٤ ص ١٩٢.


الصفحة التالية
Icon