قوله- سبحانه- زَحْفاً: مصدر زحف وأصله للصبي، وهو أن يزحف على استه قبل أن يمشى. ثم أطلق على الجيش الكثيف المتوجه لعدوه لأنه لكثرته وتكاتفه يرى كأنه جسم واحد يزحف ببطء وإن كان سريع السير.
قال الجمل: وفي المصباح: زحف القوم زحفا وزحوفا. ويطلق على الجيش الكثير زحف تسمية بالمصدر والجمع زحوف مثل فلس وفلوس. ونصب قوله: زَحْفاً على أنه حال من المفعول وهو الَّذِينَ كَفَرُوا أى إذا لقيتم الذين كفروا حال كونهم زاحفين نحوكم.
والأدبار: جمع دبر- بضمتين- وهو الخلف، ومقابله القبل وهو الأمام، ويطلق لفظ الدبر على الظهر وهو المراد هنا.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زاحفين نحوكم لقتالكم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ أى. فلا تفروا منهم، ولا تولوهم ظهوركم منهزمين، بل قابلوهم بقوة وغلظة وشجاعة، فإن من شأن المؤمن أن يكون شجاعا لا جبانا، ومقبلا غير مدبر.
فالمراد من تولية الأدبار: الانهزام، لأن المنهزم يولى ظهره وقفاه لمن انهزم منه.
وعدل من لفظ الظهور إلى الأدبار، تقبيحا للانهزام، وتنفيرا منه، لأن القبل والدبر يكنى بهما عن السوءتين.
ثم بين- سبحانه- أن تولية الأدبار محرمة إلا في حالتين فقال- تعالى-: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
وقوله: مُتَحَرِّفاً من التحرف بمعنى الميل والانحراف من جهة إلى جهة بقصد المخادعة في القتال وهو منصوب على الحالية.
وقوله أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ من التحيز بمعنى الانضمام. تقول: حزت الشيء أحوزه إذا ضممته إليك. وتحوزت الحية أى انطوت على نفسها.
والفئة: الجماعة من الناس. سميت بذلك لرجوع بعضهم إلى بعض في التعاضد


الصفحة التالية
Icon