والمعنى: إنكم- أيها المؤمنون- لم تقتلوا المشركين في بدر بقوتكم وشجاعتكم، ولكن الله- تعالى- هو الذي أظفركم بحوله وقوته، بأن خذلهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وقوى قلوبكم، وأمدكم بالملائكة، ومنحكم من معونته ورعايته ما بلغكم هذا النصر.
والفاء في قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ.. يرى صاحب الكشاف أنها جواب شرط محذوف تقديره: إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر وأذهب عن قلوبكم الفزع والجزع.
وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى خطاب للنبي ﷺ بطريق التلوين.
أى: وَما رَمَيْتَ بالرعب في قلوب الأعداء إِذْ رَمَيْتَ في وجوههم بالحصباء يوم بدر وَلكِنَّ اللَّهَ- تعالى- هو الذي رَمى بالرعب في قلوبهم فهزمهم ونصركم عليهم.
أو المعنى: ما أوصلت الحصباء إلى أعينهم إذ رميتهم بها، ولكن الله هو الذي أوصلها إليها.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة: يعنى أن الرمية التي رميتها- يا محمد- لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله، حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.. فأثبت الرمية لرسول الله ﷺ لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأن أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله- عز وجل-، فكان الله- تعالى- هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول ﷺ أصلا «١».
وقال الآلوسى: واستدل بالآية على أن أفعال العباد بخلقه- تعالى- وإنما لهم كسبها ومباشرتها وقال الإمام: أثبت- سبحانه- كونه ﷺ راميا، ونفى كونه راميا، فوجب حمله على أنه ﷺ رمى كسبا، والله- تعالى- رمى خلقا «٢».
فإن قيل: لماذا ذكر مفعول القتل منفيا ومثبتا ولم يذكر للرمي مفعول قط؟
فالجواب- كما يقول أبو السعود-: «أن المقصود الأصلى بيان حال الرمي نفيا وإثباتا، إذ هو الذي ظهر منه ما ظهر، وهو المنشأ لتغير المرمى به في نفسه وتكثره إلى حيث أصاب عيني كل واحد من أولئك الأمة الجمة شيء من ذلك» «٣».
وقوله- سبحانه-: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً بيان لبعض وجوه حكمته- سبحانه- في خذلان الكافرين، ونصر المؤمنين.

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٠٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٨٥.
(٣) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٢٢٣.


الصفحة التالية
Icon