الْقَيْسِ، وَشِعْرِ الْأَعْشَى، يُحَمِّلُهُ جَمِيعَ مَا يَحْتَمِلَهُ اللَّفْظُ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِمَالَاتِ. فَكَمَا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ أَفْصَحِ كَلَامٍ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إِعْرَابُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَفْصَحِ الْوُجُوهِ، هَذَا عَلَى أَنَّا إِنَّمَا نَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّا ذَكَرُوهُ لِيَنْظُرَ فِيهِ، فَرُبَّمَا يَظْهَرُ لِبَعْضِ الْمُتَأَمِّلِينَ تَرْجِيحُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالُوا:
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خبر المبتدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالْكِتَابُ صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَمَا بَعْدَهُ خَبَرًا. وَفِي موضع خبر الم ولا رَيْبَ جُمْلَةٌ تَحْتَمِلُ الِاسْتِئْنَافَ، فَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خبر لذلك، وَالْكِتَابُ صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ أَوْ عَطْفٌ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، إِذَا كَانَ الْكِتَابُ خَبَرًا، وَقُلْتُ بِتَعَدُّدِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي مَعْنَى خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا أَوْلَى بِالْبُعْدِ لِتَبَايُنِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُفْرَدٌ وَالثَّانِي جُمْلَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ مُبَرَّأٍ مِنَ الرَّيْبِ، وَبَنَّاءُ رَيْبٍ مَعَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الْعَامِلَةُ عَمَلَ إن، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَلَا وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، فَالْمَرْفُوعُ بَعْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِسْنَادِ خَبَرٌ لِذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ فَلَمْ تَعْمَلْ حَالَةُ الْبِنَاءِ إِلَّا النَّصْبَ فِي الِاسْمِ فَقَطْ، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. وَأَمَّا الْأَخْفَشُ فَذَلِكَ الْمَرْفُوعُ خَبَرٌ لِلَا، فَعَمِلَتْ عِنْدَهُ النَّصْبَ وَالرَّفْعَ، وَتَقْرِيرُ هَذَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ. وَإِذَا عَمِلَتْ عَمَلَ إِنْ أَفَادَتِ الِاسْتِغْرَاقَ فَنَفَتْ هُنَا كُلَّ رَيْبٍ، وَالْفَتْحُ هُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ.
وَقَرَأَ أَبُو الشَّعْثَاءِ: لَا رَيْبَ فِيهِ بِالرَّفْعِ، وَكَذَا قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ حيث وقع، وَالْمُرَادُ أَيْضًا هُنَا الِاسْتِغْرَاقُ، لَا مِنَ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ دَلَالَةِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ نَفْيَ رَيْبٍ وَاحِدٍ عَنْهُ، وَصَارَ نَظِيرَ مَنْ قَرَأَ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ «١»
بِالْبِنَاءِ وَالرَّفْعِ، لَكِنَّ الْبِنَاءَ يَدُلُّ بِلَفْظِهِ عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ، وَالرَّفْعَ لَا يَدُلُّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، وَيَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوَحْدَةِ، لَكِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ، وَرَفْعُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَيْبٌ مُبْتَدَأً وَفِيهِ الْخَبَرُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِعَدَمِ تَكْرَارِ لَا، أَوْ يَكُونُ عَمَلُهَا إِعْمَالَ لَيْسَ، فَيَكُونُ فِيهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ لَا إِذَا عَمِلَتْ عَمَلَ لَيْسَ رَفَعَتِ الِاسْمَ وَنَصَبَتِ الْخَبَرَ، أَوْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَنْسِبُ الْعَمَلَ لَهَا فِي رَفْعِ الِاسْمِ خَاصَّةً، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَرْفُوعٌ لِأَنَّهَا وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ كَحَالِهَا إِذَا نَصَبَتْ وَبُنِيَ الِاسْمُ مَعَهَا، وَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مُشَبَّعًا فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «٢»
، وَحَمْلُ لَا فِي قِرَاءَةِ لَا رَيْبَ عَلَى أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ ضَعِيفٌ لِقِلَّةِ إِعْمَالِ لَا عَمَلَ لَيْسَ، فَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ ضَعِيفَةً. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، فيه:
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٩٧.