مَسْجَدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ عَدَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ وَاحِدًا وَأَبْعَدَ أَيْضًا مَنْ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لِأَنَّهُ قِبْلَةُ الْمَسَاجِدِ، وَقَالَ: إِنَّهُ جَمَعَ مَسْجِدٌ وَهُوَ السُّجُودُ.
وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ تَغَلَّبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكَعْبَةِ، فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَوَاضِعُ كُلُّهَا لِلَّهِ، فَاعْبُدْهُ حَيْثُ كُنْتَ.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ لِأَنَّ الْجِنَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَكَ عَلَى نَأْيِنَا عَنْكَ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ لِيُخَاطِبَهُمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ عِبَادَتَكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ مَقْبُولَةٌ إذ دَخَلْنَا الْمَسَاجِدَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، عَطْفًا عَلَى قِرَاءَتِهِمْ وَأَنَّ الْمَساجِدَ بِالْفَتْحِ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ وطلحة ونافع وأبوبكر. بكسرها على الاستئناف وعبد اللَّهِ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْعُوهُ: أَيْ يَدْعُو اللَّهَ كادُوا: أَيْ كَادَ الْجِنُّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: يَنْقَضُّونَ عَلَيْهِ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الضَّمِيرُ فِي كادُوا لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ فِي اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى رَدِّ أَمْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْمَعْنَى أَنَّهَا قول الجن لقومهم يحكمون، وَالضَّمِيرُ فِي كادُوا لِأَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَطَّوَّعُونَ لَهُ وَيُقَيَّدُونَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا قِيلَ رَسُولُ اللَّهِ أَوِ النَّبِيُّ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ وَاقِعًا فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ، جِيءَ بِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّوَاضُعُ وَالتَّذَلُّلُ أَوْ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عِبَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ لِلَّهِ لَيْسَتْ بِأَمْرٍ مُسْتَبْعَدٍ عَنِ الْعَقْلِ وَلَا مُسْتَنْكَرٍ حَتَّى يَكُونُوا عَلَيْهِ لِبَدًا. وَمَعْنَى قَامَ يَدْعُوهُ: قَامَ يَعْبُدُهُ، يُرِيدُ قِيَامَهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بِنَخْلَةَ حِينَ أَتَاهُ الْجِنُّ، فَاسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً:
أَيْ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ مُتَرَاكِمِينَ، تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَوْا مِنْ عِبَادَتِهِ، وَاقْتِدَاءِ أَصْحَابِهِ بِهِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا، وَإِعْجَابًا بِمَا تَلَا مِنَ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَسَمِعُوا بِمَا لَمْ يَسْمَعُوا بِنَظِيرِهِ. انْتَهَى، وَهُوَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ كَثَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِخَطَابَتِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِبَداً بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ جَمْعُ لِبْدَةٍ، نَحْوُ: كِسْرَةٍ وَكِسَرٍ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ شُبِّهَتْ بِالشَّيْءِ الْمُتَلَبِّدِ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ رِبْعٍ:

صَافُّوا بِسِتَّةِ أَبْيَاتٍ وَأَرْبَعَةٍ حَتَّى كَأَنَّ عَلَيْهِمْ جَانِبًا لِبَدًا
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْوَانًا. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ عَامِرٍ: بِخِلَافٍ عَنْهُ بِضَمِّ اللَّامِ جَمْعُ لُبْدَةٍ، كُزُبْرَةٍ وَزُبُرٍ وَعَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ أَيْضًا: تَسْكِينُ الْبَاءِ وَضَمُّ اللَّامِ لُبْدًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِضَمَّتَيْنِ جَمْعٍ لَبْدٍ، كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ، أَوْ جَمْعُ لَبُودٍ، كَصَبُورٍ وَصُبُرٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ: بِخِلَافٍ عَنْهُمَا، لُبَّدًا بِضَمِّ اللَّامِ


الصفحة التالية
Icon