يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتَطَارِ النَّقْعِ دَامِيَةً | كَأَنَّ آذَانَهَا أَطْرَاقُ أَقْلَامِ |
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا | تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كُدَاءِ |
فَمَتَى يَنْقَعْ صُرَاخٌ صَادِقٌ | تَحْلِبُوهَا ذات حرس وَزَجَلِ |
كَنُودٌ لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ وَمَنْ يَكُنْ | كَنُودًا لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ يَبْعُدُ |
الْكَفُورُ وَبِلِسَانِ كِنَانَةَ: الْبَخِيلُ السيّء الْمَلَكَةِ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَبِلِسَانِ بَنِي مَالِكٍ: البخيل، ولم يذكر وحضر موت، وَيُقَالُ: كَنَدَ النِّعْمَةَ كُنُودًا. وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ فِي الْبَخِيلِ:
إِنْ تَفُتْنِي فَلَمْ أَطِبْ عَنْكَ نَفْسًا | غَيْرَ أَنِّي أُمْنَى بِدَهْرٍ كَنُودِ |
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً، إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ، أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ، مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَقَتَادَةَ. لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا مَا يَقْتَضِي تَهْدِيدًا وَوَعِيدًا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، بِتَعْنِيفٍ لِمَنْ لَا يَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَنْ آثَرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ عَلَى أَمْرِ آخِرَتِهِ. وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْعَادِيَاتِ هُنَا الْخَيْلُ، تَعْدُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَضْبَحُ حَالَةَ عَدْوِهَا، وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
وَالْخَيْلُ تَكْدَحُ حِينَ تَضْبَحُ | فِي حِيَاضِ الْمَوْتِ ضَبْحَا |
أَقْسَمَ بِهَا حِينَ تَعْدُو مِنْ عَرَفَةَ وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِذَا دَفَعَ الْحَاجُّ.
وَبِأَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ فَرَسَيْنِ، فَرَسٍ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٍ لِلْمِقْدَادِ، وَبِهَذَا حَجَّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ