وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ طَلَاقِ الْحَائِضِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى انْتِفَاءِ الْحَرَجِ فِي طَلَاقِهِنَّ عُمُومًا، سواءكنّ حُيَّضًا أَمْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ يَمْنَعُ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ مدخولا بها أو غير مَدْخُولٍ بِهَا، وَمَوْتُ الزَّوْجِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَقَبْلَ الْفَرْضِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ طَلَاقِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ الْفَرْضِ، فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ وَلَا مِيرَاثٌ، قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ.
وَالشَّافِعِيُّ: لَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا. وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَهَا صَدَاقُ مِثْلِ نِسَائِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ حَالَ الْمُطَلَّقَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُطَلَّقَةٍ لَمْ يُسَمَّ لَهَا، وَمُطَلَّقَةٍ سُمِّيَ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَجِبْ لَهَا صَدَاقٌ إِجْمَاعًا. قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهَا نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَإِنْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا، أَوْ مَهْرَ مِثْلِهَا لَزِمَهَا التَّسْلِيمُ، وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ جَائِزٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، لَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، أَمَّا دَلَالَتُهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمْ يَكُنِ الطَّلَاقُ مَشْرُوعًا، وَلَمْ تَكُنِ النَّفَقَةُ لَازِمَةً، وَأَمَّا أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ الْجَوَازُ بِدَلِيلِ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ حَرَامٌ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ وَاقِعٌ صَحِيحٌ.
وَمَتِّعُوهُنَّ أَيْ: مَلِّكُوهُنَّ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى مُتْعَةً.
وَظَاهِرُ هَذَا الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ: عَلِيٍّ
، وَابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَحَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ: شُرَيْحٌ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو عُبْيَدٍ.
وَالضَّمِيرُ الْفَاعِلُ فِي وَمَتِّعُوهُنَّ لِلْمُطَلِّقِينَ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ ضَمِيرُ الْمُطَلَّقَاتِ


الصفحة التالية
Icon