مَتَاعًا، أَيْ مُلْتَبِسًا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَأْلُوفُ شَرْعًا وَمُرُوءَةً، وَهُوَ مَا لَا حَمْلَ لَهُ فِيهِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَلَا تَكَلُّفَ.
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ هَذَا يُؤَكِّدُ أَيْضًا وُجُوبَ الْمُتْعَةِ، وَالْمُرَادُ إِحْسَانُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِحْسَانُ الْعِشْرَةِ، فَيَكُونُ اللَّهُ سَمَّاهُمْ مُحْسِنِينَ قَبْلَ الفعل، باعتبار ما يؤلون إِلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ، نَحْوَ:
«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ».
وَانْتِصَابُ حَقًّا عَلَى أنه صفة لمتاعا أَيْ: مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ وَاجِبًا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، أَوْ حَالًا مِمَّا كَانَ حَالًا مِنْهُ مَتَاعًا، أَوْ مِنْ قَوْلِهِ:
بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: بِالَّذِي عُرِفَ فِي حَالِ كَوْنِهِ عَلَى الْمُحْسِنِينَ.
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَقَبْلَ الْفَرْضِ، بَيَّنَ حَالَ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِيسِ الْجِمَاعُ، وَبِالْفَرِيضَةِ الصَّدَاقُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ فَرَضْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيَشْمَلُ الْفَرْضَ الْمُقَارِنَ لِلْعَقْدِ، وَالْفَرْضَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ كَانَ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ طَلَّقَ بَعْدَ الْفَرْضِ، تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بِالطَّلَاقِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، إِذْ لَا يَتَنَصَّفُ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، وَارْتِفَاعُ نِصْفُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقُدِّرَ الْخَبَرُ: فَعَلَيْكُمْ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، أَوْ: فَلَهُنَّ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مُؤَخَّرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، أَيْ: فَالْوَاجِبُ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ.
وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: فَنِصْفَ، بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ: فَادْفَعُوا نِصْفَ مَا فَرَضْتُمْ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مَا فَرَضْتُمْ، أَنَّهُ إِذَا أَصْدَقَهَا عَرَضًا، وَبَقِيَ إِلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ وَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَنَمَاؤُهُ وَنُقْصَانُهُ لَهُمَا وَيَتَشَطَّرُ، أَوْ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فَاشْتَرَتْ بِهِ عَرَضًا، فَنَمَا أَوْ نَقَصَ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إِلَّا نِصْفُ مَا أَصْدَقَ مِنَ الْعَيْنِ لَا مِنَ الْعَرَضِ، لِأَنَّ الْعَرَضَ لَيْسَ هو المفروض. وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا الْعَرَضُ كَالْعَيْنِ، أَصْلُ ثَمَنِهِ يَتَشَطَّرُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَتَبَيَّنُ بَقَاءُ مُلْكِهِ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَتْهُ؟.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَشَطَّرُ إِلَّا الْمَفْرُوضُ فَلَوْ كَانَ نَحَلَهَا شَيْئًا فِي الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَهُ لِأَجْلِهِ، فَلَا يَتَشَطَّرُ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَعْنَى الصَّدَاقِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ يُوجِبُ تَشْطِيرَ الصَّدَاقِ، سَوَاءٌ


الصفحة التالية
Icon