أَتَى بَعْدُ بِمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُوَ قُدْرَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِي قَوْلِهِ: فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَلَا كَاشِفَ لَهُ عَنْكَ إِلَّا هُوَ.
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لما ذكره تَعَالَى انْفِرَادَهُ بِتَصَرُّفِهِ بِمَا يُرِيدُهُ مِنْ ضُرٍّ وَخَيْرٍ وَقُدْرَتَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ ذَكَرَ قَهْرَهُ وَغَلَبَتَهُ، وَأَنَّ الْعَالَمَ مَقْهُورُونَ مَمْنُوعُونَ مِنْ بُلُوغِ مُرَادِهِمْ بَلْ يَقْسِرُهُمْ وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُهُ هُوَ تعالى وفَوْقَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ وَأَبْعَدَ مَنْ جَعَلَهَا هُنَا زَائِدَةً، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ وَهُوَ الْقَاهِرُ لِعِبَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا هُنَا حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى حَالٌ فِي الْجِهَةِ الَّتِي فَوْقَ الْعَالَمِ إِذْ يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَذَكَرُوا أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ هُنَا مَجَازٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَوْقَهُمْ بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مَعْنَاهُ فَوْقَ قَهْرِ عِبَادِهِ بِوُقُوعِ مُرَادِهِ دُونَ مُرَادِهِمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَصْوِيرٌ لِلْقَهْرِ وَالْعُلُوِّ وَالْغَلَبَةِ وَالْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ «١» انْتَهَى.
وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ فَوْقَ إِشَارَةً لِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَشُفُوفِهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّتَبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «٢» وَقَوْلُهُ: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «٣» وَقَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدًا وَجُودًا وَسُؤْدُدًا | وَإِنَّا لِنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا |
(٢) سورة الفتح: ٤٨/ ١٠.
(٣) يوسف: ١٢/ ٧٦.
(٤) سورة آل عمران: ٣/ ٢٦.