الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا، فَإِظْهَارُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَيُبَيِّنُهَا وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقِسْمَ أَوْ كَانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَضَمِيرَ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ هَذَا زِيدٌ قَائِمٌ خِلَافًا لِابْنِ الطَّرَاوَةِ فِي إِنْكَارِ هَذَا الْقِسْمِ وَتَوْضِيحُ هَذِهِ الْمُضْمَرَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَالدُّنْيَا صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: حَياتُنَا وَلَمْ يُؤْتَ بِهَا عَلَى أنه صِفَةٌ تُزِيلُ اشْتِرَاكًا عَارِضًا فِي مَعْرِفَةٍ لِأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ ثَمَّ حَيَاةً غَيْرُ دُنْيَا، بَلْ ذَلِكَ وَصْفٌ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ إِذْ لَا حَيَاةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ.
وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ لَمَّا دَلَّ الْكَلَامُ عَلَى نَفْيِ الْبَعْثِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْحَصْرِ صَرَّحُوا بِالنَّفْيِ الْمَحْضِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الْبَعْثِ بِالْمَنْطُوقِ، وَأَكَّدُوا ذَلِكَ بِالْبَاءِ الدَّاخِلَةِ فِي الْخَبَرِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْكَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ.
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَرى أَوَّلًا وَذَلِكَ مَجَازٌ عَنِ الْحَبْسِ والتوبيخ والسؤال كما يوقف الْعَبْدُ الْجَانِي بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ لِيُعَاقِبَهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ الْمُشَبِّهَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وقال:
ظَاهِرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فِي حَيِّزٍ وَمَكَانٍ لِأَنَّ أَهْلَ الْقِيَامَةِ يَقِفُونَ عِنْدَهُ وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ يَحْضُرُ فِي مَكَانٍ تَارَةً وَيَغِيبُ عَنْهُ أُخْرَى. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ:
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ وَاقِفِينَ عَلَى اللَّهِ كَمَا يَقِفُ أَحَدُنَا عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُسْتَعْلِيًا عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى التأويل، فيكون المراد وُقِفُوا عَلَى مَا وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَذَابِ الْكَافِرِينَ وَثَوَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ وُقُوفَ الْمَعْرِفَةِ انْتَهَى.
وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَلَى حُكْمِهِ وَأَمْرِهِ انْتَهَى. وَقِيلَ:
عَلَى مَسْأَلَةِ رَبِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ أعمالهم. وقيل: المسألة مَلَائِكَةِ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: عَلَى حِسَابِ رَبِّهِمْ قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاعِلَ بَقَالَ هُوَ اللَّهُ فَيَكُونُ السُّؤَالُ مِنْهُ تَعَالَى لَهُمْ. وَقِيلَ: السُّؤَالُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ وَقَفَهُمْ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْ قَالَ: ومن وَقَفَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: مَرْدُودٌ عَلَى قول قَائِلٌ قَالَ مَاذَا قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ إِذْ وَقَفُوا عَلَيْهِ؟ فَقِيلَ: أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ وهذا تعبير مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ وَقَوْلِهِمْ لَمَّا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ حَدِيثِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ مَا هُوَ بِحَقٍّ وَمَا هُوَ إِلَّا بَاطِلٌ انْتَهَى.
وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً التَّقْدِيرُ إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قَائِلًا لَهُمْ أَلَيْسَ هَذَا