أَحْسَنُ عَقْلًا، وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَأَسْرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْدَلْ عَنْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَزْهَدُ فِي اللَّهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَتْقَى لِلَّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَكْثَرُكُمْ شُكْرًا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : فَكَيْفَ قِيلَ: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَأَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ الَّتِي تَتَفَاوَتُ إِلَى حَسَنٍ وَأَحْسَنَ، فَأَمَّا أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَتَفَاوُتُهُمَا إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ؟ (قُلْتُ) : الَّذِينَ هُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَبَقُوا إِلَى تَحْصِيلِ مَا هُوَ غَرَضُ الله منن عِبَادِهِ، فَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ، وَاطَّرَحَ ذِكْرَ مَنْ وَرَاءَهُمْ تَشْرِيفًا لَهُمْ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَكَانِهِمْ منه، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ تَيَقُّظًا لِلسَّامِعِينَ وَتَرْغِيبًا فِي حِيَازَةِ فَضْلِهِمُ انْتَهَى. وَلَئِنْ قُلْتَ، خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ: وَلَئِنْ قُلْتُ بِضَمِّ التَّاءِ إِخْبَارًا عَنْهُ تَعَالَى، وَالْمَعْنَى: وَلَئِنْ قُلْتَ مُسْتَدِلًا عَلَى الْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، إِذْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ، دِلَالَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ، فَمَتَى أَخْبَرَ بِوُقُوعِ مُمْكِنٍ وَقَعَ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِالْبَعْثِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَتَيَقَّنَ وقوعه. وقرىء: أَيُّكُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمُ:
ائْتِ السُّوقَ إِنَّكَ تَشْتَرِي لَحْمًا، بِمَعْنَى عَلَّكَ أَيْ: وَلَئِنْ قُلْتَ لَهُمْ لَعَلَّكُمْ مَبْعُوثُونَ بِمَعْنَى تَوَقَّعُوا بَعْثَكُمْ وَظُنُّوهُ، لَأَثْبَتُوا الْقَوْلَ بِإِنْكَارِهِ لَقَالُوا: وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّنَ. قُلْتَ مَعْنَى ذَكَرْتَ انْتَهَى يَعْنِي: فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ مَفْعُولِ ذَكَرْتَ، وَالظَّاهِرُ الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْقَوْلِ أَيْ: إِنَّ قَوْلَكَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ إِلَّا سِحْرٌ أَيْ بُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ كَبُطْلَانِ السِّحْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الْبَعْثِ. أَيْ: إِنَّ الْبَعْثَ. وَقِيلَ: أَشَارُوا بِهَذَا إِلَى الْقُرْآنِ، وَهُوَ النَّاطِقُ بِالْبَعْثِ، فَإِذَا جَعَلُوهُ سِحْرًا فَقَدِ انْدَرَجَ تَحْتَهُ إِنْكَارُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَعْثِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَذَّبُوا وَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ، فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ إِنْ كَانَ مَفْطُورًا بِقُرُبَاتِ الله فاطر السموات وَالْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَرَّبِ بِهَذَا، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُنْكِرُونَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَهُوَ البعث من القبور، إذا الْبَدَاءَةُ أَعْسَرُ مِنَ الْإِعَادَةِ، وإذ خلق السموات وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالْأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَفِرْقَةٌ مِنَ السَّبْعَةِ: سِحْرٌ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: سَاحِرٌ، يُرِيدُونَ وَالسَّاحِرُ كَاذِبٌ مُبْطِلٌ، وَلَئِنْ أَخَّرْنَا حَكَى تَعَالَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ، وَالْعَذَابُ هُنَا عَذَابُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَتْلُ جِبْرِيلَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَالظَّاهِرُ الْعَذَابُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَالْأُمَّةُ هُنَا الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْجُمْهُورُ، وَمَعْنَاهُ: إِلَى حِينٍ. وَوَقْتٍ مَعْلُومٍ مَا يَحْبِسُهُ اسْتِفْهَامٌ، قَالُوهُ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: سُمِّيَتِ


الصفحة التالية
Icon