وَقَفَ بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَقَالَ نَصْرٌ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ وَلَا يَهْمِزُ. وَعَدَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَنْ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ حُزْنُهُ عَلَى ذَهَابِهِمْ بِهِ لِقِصَرِ مُدَّةِ الْحُزْنِ، وَإِيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِهِ إِلَيْهِ عَنْ قَرِيبٍ، وَعَدَلُوا إِلَى قَضِيَّةِ الذِّئْبِ وَهُوَ السَّبَبُ الْأَقْوَى فِي مَنْعِهِ أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، فَحَلَفُوا لَهُ لَئِنْ كَانَ مَا خَافَهُ مِنْ خَطْفَةِ الذِّئْبِ أَخَاهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ عَشَرَةُ رِجَالٍ بِمِثْلِهِمْ تُعْصَبُ الْأُمُورُ وَتُكْفَى الْخُطُوبُ، إِنَّهُمْ إِذًا لَقَوْمٌ خَاسِرُونَ أي: هالكون ضعفاء وجورا وَعَجْزًا، أَوْ مُسْتَحِقُّونَ أَنْ يَهْلِكُوا، لِأَنَّهُمْ لَا غِنَى عِنْدَهِمْ وَلَا جَدْوَى فِي حَيَاتِهِمْ، أَوْ مُسْتَحِقُّونَ بِأَنْ يُدْعَى عَلَيْهِمْ بِالْخَسَارِ وَالدَّمَارِ، وَأَنْ يُقَالَ: خَسَّرَهُمُ اللَّهُ وَدَمَّرَهُمْ حِينَ أَكَلَ الذِّئْبُ بَعْضَهُمْ وَهُمْ حَاضِرُونَ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى حِفْظِ بَعْضِنَا فَقَدْ هَلَكَتْ مَوَاشِينَا، إِذًا وَخَسِرْنَا.
وَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ عَلَى ذُرْوَةِ جَبَلٍ، وَكَانَ يُوسُفُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا عَشَرَةٌ مِنَ الذِّئَابِ قَدِ احْتَوَشَتْهُ يُرِدْنَ أَكْلَهُ، فَدَرَأَ عَنْهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ انْشَقَّتِ الْأَرْضُ فَتَوَارَى يُوسُفُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ. قالُوا يَا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ. وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ. وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يَا بُشْرى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ:
حُكِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِيُوسُفَ: اطْلُبْ مِنْ أَبِيكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَعَنَا، فَأَقْبَلَ عَلَى يُوسُفَ فَقَالَ: أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ يَعْقُوبُ: إِذَا كَانَ غَدًا أَذِنْتُ لَكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يُوسُفُ لَبِسَ ثِيَابَهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْطَقَتَهُ، وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ فَشَيَّعَهُمْ يَعْقُوبُ وَقَالَ: يَا بَنِيَّ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِحَبِيبِي يُوسُفَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُوسُفَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
اسْتَوْدَعَتُكَ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَانْصَرَفَ. فَحَمَلُوا يُوسُفَ عَلَى أَكْتَافِهِمْ مَا دَامَ يَعْقُوبُ يَرَاهُمْ، ثُمَّ لَمَّا غَابُوا عَنْ عَيْنِهِ طَرَحُوهُ لِيَعْدُوَ مَعَهُمْ إِضْرَارًا بِهِ.
وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تَتَضَمَّنُ كَيْفِيَّةَ إِلْقَائِهِ فِي غَيَابَةِ الجب ومحاورته لَهُمْ بِمَا يُلِينُ الصَّخْرَ، وَهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا قَسَاوَةً. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْقُرْآنُ وَلَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا، فَيُوقَفَ عَلَيْهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ. وَبَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ: فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ يُوسُفَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَيْ: عَزَمُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى إلقائه في الجب، وأن يَجْعَلُوهُ مَفْعُولُ أَجْمَعُوا، يُقَالُ: أَجْمَعَ الْأَمْرَ وَأَزْمَعَهُ بِمَعْنَى الْعَزْمِ عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَ


الصفحة التالية
Icon