أَبْصَارِهِمْ لِرُؤْيَتِهِ مُسْتَعْلٍ عَلَى أَبْصَارِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِمَا سُمِعَ مِنْهُ أَوْ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ تَكْسِيرِ أَصْنَامِهِمْ، أَوْ يَشْهَدُونَ مَا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عَذَابِنَا أَوْ غَلَبِنَا لَهُ الْمُؤَدِّي إِلَى عَذَابِهِ.
وَقِيلَ: النَّاسِ هُنَا خَوَاصُّ الْمَلِكِ وَأَوْلِيَاؤُهُ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَأْتُوا بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ.
قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا أَيِ الْكَسْرَ وَالتَّهْشِيمَ بِآلِهَتِنا وَارْتِفَاعُ أَنْتَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ فَعَلْتَ وَلَمَّا حُذِفَ انْفَصَلَ الضَّمِيرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَإِذَا تَقَدَّمَ الِاسْمُ فِي نَحْوِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ الْفِعْلُ صَادِرًا وَاسْتُفْهِمَ عَنْ فَاعِلِهِ وَهُوَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ كَانَ الْفِعْلُ مَشْكُوكًا فِيهِ فَاسْتُفْهِمَ عَنْهُ أَوَقَعَ أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ قَالَ لَمْ أَفْعَلْهُ إِنَّمَا الْفَاعِلُ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى كَبِيرُهُمْ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا فِي كَسْرِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ هُوَ تَعْظِيمُهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ لَهُ وَلِمَا دُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ كَانَ ذَلِكَ حَامِلًا عَلَى تَحْطِيمِهَا وَكَسْرِهَا فَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْكَبِيرِ إِذْ كَانَ تَعْظِيمُهُمْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ مَا دُونَهُ، وَقَالَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الزَّمَخْشَرِيُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْكَبِيرِ مُتَقَيِّدًا بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ قَدْ عَلَّقَ عَلَى مُمْتَنِعٍ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ وَقَعَ أَيْ إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَامُ يَنْطِقُونَ وَيُخْبِرُونَ مَنِ الَّذِي صَنَعَ بِهِمْ ذَلِكَ فَالْكَبِيرُ هُوَ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ابْنُ قُتَيْبَةَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا مِنْ تَعَارِيضِ الْكَلَامِ وَلَطَائِفِ هَذَا النَّوْعِ لَا يَتَغَلْغَلُ فِيهَا إِلَّا أَذْهَانُ الرَّاضَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي، وَالْقَوْلُ فِيهِ إِنَّ قَصْدَ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ إِلَى أَنْ يَنْسِبَ الْفِعْلَ الصَّادِرَ عَنْهُ إِلَى الصَّنَمِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَقْرِيرَهُ لِنَفْسِهِ وَإِثْبَاتَهُ لَهَا عَلَى أُسْلُوبٍ تَعْرِيضِيٍّ يَبْلُغُ فِيهِ غَرَضَهُ مِنْ إِلْزَامِهِمُ الْحُجَّةَ وَتَبْكِيتِهِمْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ لَكَ صَاحِبُكَ وَقَدْ كَتَبْتَ إِلَيْهِ كِتَابًا بِخَطٍّ رَشِيقٍ وَأَنْتَ شَهِيرٌ بِحُسْنِ الْخَطِّ: أَأَنْتَ كَتَبْتَ هَذَا وَصَاحِبُكَ أُمِّيٌّ لَا يُحْسِنُ الْخَطَّ أَوْ لَا يَقْدِرُ إِلَّا عَلَى خَرْمَشَةٍ فَاسِدَةٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلْ كَتَبْتُهُ أَنْتَ كَانَ قَصْدُكُ بِهَذَا الْجَوَابِ تَقْرِيرَهُ لَكَ مَعَ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ لَا نَفْيُهُ عَنْكَ وَلَا إِثْبَاتُهُ لِلْأُمِّيِّ أَوِ الْمُخَرْمِشِ لِأَنَّ إِثْبَاتَهُ وَالْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَكُمَا لِلْعَاجِزِ منكما استهزاء وإثبات لِلْقَادِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِمَا يَعُودُ إِلَى تَجْوِيزِهِ مَذْهَبُهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَفْعَلَهُ كَبِيرُهُمْ فَإِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يُعْبَدُ وَيُدَّعَى إِلَهًا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى هَذَا وَأَشَدَّ مِنْهُ.
وَيُحْكَى أَنَّهُ قَالَ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا غَضَبٌ أَنْ يُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَارُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا انْتَهَى. وَمَنْ جَعَلَ الْفَاعِلَ بِفِعْلِهِ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ فَتًى أَوْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ أَوْ قَالَ آخَرُ بِغَيْرِ


الصفحة التالية
Icon