الْأَلْطَافِ الْمُحَصَّلَةِ وَالْمُقَرَّبَةِ. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
غِشاوَةً: بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالْأَعْمَشُ: بِفَتْحِهَا، وَهِيَ لُغَةُ رَبِيعَةَ. وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا: بِضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَةُ عُكْلِيَّةَ. وَالْأَعْمَشُ، وَطَلْحَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَسْعُودِ بْنِ صَالِحٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، غَشْوَةً، بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ. وَابْنُ مُصَرِّفٍ، وَالْأَعْمَشُ أَيْضًا: كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمَا كَسَرَا العين، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْجُمْلَتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَذَكَّرُونَ، بِشَدِّ الذَّالِ وَالْجَحْدَرِيُّ يُخَفِّفُهَا، وَالْأَعْمَشُ: بِتَاءَيْنِ.
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا «١» : هِيَ مَقَالَةُ بَعْضِ قُرَيْشٍ إِنْكَارًا لِلْبَعْثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: نَمُوتُ وَنَحْيا حُكْمٌ عَلَى النَّوْعِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَقْدِيمِ وَتَأْخِيرٍ، أَيْ تَمُوتُ طَائِفَةٌ وَتَحْيَا طَائِفَةٌ. وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتِ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ نَحْيَا وَنَمُوتُ. وَقِيلَ: نَمُوتُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُوجَدُوا، وَنَحْيَا: أَيْ فِي وَقْتِ وُجُودِنَا، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ، وَلَا ذِكْرَ لِلْمَوْتِ الَّذِي هُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: تَمُوتُ الْآبَاءُ وَتَحْيَا الْأَبْنَاءُ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَنَحْيَا، بِضَمِّ النُّونِ. وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ: أَيْ طُولُ الزَّمَانِ، لِأَنَّ الْآفَاتِ تَسْتَوِي فِيهِ كَمَالَاتُهَا هَذَا إِنْ كَانَ قَائِلُو هَذَا مُعْتَرِفِينَ بِاللَّهِ، فَنَسَبُوا الْآفَاتِ إِلَى الدَّهْرِ بِجَهْلِهِمْ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَلَا يُقِرُّونَ بِهِ، وَهُمُ الدَّهْرِيَّةُ، فَنَسَبُوا ذَلِكَ إِلَى الدَّهْرِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: إِلَّا دَهْرٌ، وَتَأْوِيلُهُ: إِلَّا دَهْرٌ يَمُرُّ. كَانُوا يُضِيفُونَ كُلَّ حَادِثَةٍ إِلَى الدَّهْرِ، وَأَشْعَارُهُمْ نَاطِقَةٌ بِشَكْوَى الدَّهْرِ، حَتَّى يُوجَدَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي مَقْصُورَتِهِ:

يَا دَهْرُ إِنْ لَمْ تَكُ عُتْبَى فَاتَّئِدْ فَإِنَّ اروادك والعتبي سواء
وما كانَ حُجَّتَهُمْ، لَيْسَتْ حُجَّةً حَقِيقَةً، أَيْ حُجَّتَهُمْ عِنْدَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَدْلَوْا بِهَا، كَمَا يُدْلِي الْمُحْتَجُّ بِحُجَّتِهِ، وَسَاقُوهَا مَسَاقَهَا، فَسُمِّيَتْ حُجَّةً عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ أَوْ لِأَنَّهُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضرب وجيع أَيْ: مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَلْبَتَّةَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: حُجَّتَهُمْ بِالنَّصْبِ وَالْحَسَنُ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، فِيمَا رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَعَاصِمٌ، فِيمَا رَوَى هَارُونُ وَحُسَيْنُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٩.


الصفحة التالية
Icon