قال الله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني: نصر محمد ﷺ الذي أيسوا منه أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني: من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير. ويقال:
الفتح أي: فتح مكة أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني: الخصب. وقال القتبي: الفتح أن يفتح المغلق.
ثم قال: النصرة فتح، لأن النصرة يفتح الله بها أمراً مغلقاً، كقوله: فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ [النساء: ١٤١] وكقوله فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني: إظهار نفاقهم، فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ من النفاق، نادِمِينَ لأن المنافقين لما رأوا من أمر بني قريظة والنضير ندموا على ما قالوا.
ثم قال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: في ذلك الوقت الذي يظهر نفاقهم، هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يقول: إذا حلفوا بالله فهو جهد اليمين.
إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ على دينكم. قرأ نافع وابن كثير وابن عامر يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بغير واو، ومعناه: أن الله تعالى لما بيّن حال المنافقين، بيّن على أثره حال المؤمنين. فقال تعالى:
يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: قال الذين آمنوا بعضهم لبعض. وقرأ أهل الكوفة حمزة وعاصم والكسائي وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بالواو وضم اللام ومعناه: عسى الله أن يأتي بالفتح، ويندم المنافقون، ويقول الذين آمنوا عند ذلك هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ وقرأ أبو عمرو وَيَقُولُ بالواو ونصب اللام، عطفاً على قوله: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ وعسى أن يقول الذين آمنوا.
ثم قال تعالى: حَبِطَتْ يعني: بطلت أَعْمالُهُمْ يعني: المنافقين الذين كانوا يحلفون أنهم مع المؤمنين وعلى دينهم، ولم يكونوا معهم حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا ثواب لهم في الآخرة فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ يعني: صاروا خاسرين في الدنيا وفي الآخرة.
قوله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قرأ نافع وابن عامر، وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ بالدالين، وقرأ الباقون بالدال الواحدة مع التشديد. فأما من قرأ يرتدد، فهو الأصل في اللغة، وروي عن أبي عبيدة أنه قال: رأيت في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه،


الصفحة التالية
Icon