عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَكَرَمِهِ وصَبْرِهِ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أنا الَّذِي دُعِيتُ إلى الخُرُوجِ لَبَادَرْتُهُمْ إلى البَابِ، وَلكِنْ أَحَبَّ أنْ يَكُونَ لَهُ العُذْرُ «١» بِقَوْلِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» قال ابن عباس: «لو خرج يوسف حين دعي، لم يزل في قلب الملك منه شيء. فلذلك قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)
قوله تعالى: قالَ مَا خَطْبُكُنَّ- وذلك أن الملك أرسل إلى النسوة وجمعهن، ثم سألهنّ «٢» - فقال: مَا خَطْبُكُنَّ يعني: ما حالكن وشأنكن في أمركن؟ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ يعني: طلبت امرأة العزيز إلى يوسف المراودة عن نفسه، هل ليوسف في ذلك ذنب؟
فأخبرن الملك ببراءة يوسف فقال: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ يعني: معاذ الله مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يعني: ما رأينا منه شيئاً من الفاحشة، ولم يكن له ذنب. فلما رأت امرأة العزيز، أن النسوة شهدن عليها، اعترفت على نفسها وأقرت بذلك، فذلك قوله تعالى: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يعني: ظهر الحق ووضح، ويقال: استبان. قال الزجاج: اشتقاقه في اللغة من الحصة أي: بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل ومن جهته أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ يعني:
طلبت إليه أن يمكنني من نفسه وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إنه لم يراودني، وهو صادق فيما قال ذلك اليوم حيث قال: هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى. قال يوسف عند ذلك: إنما فَعَلَت ذلِكَ لِيَعْلَمَ العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يعني: لم أخنه في امرأته إذا غاب عني، فذلك قوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ يعني: لا يرضى عمل الزانين.
وروى إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح قال: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال:
هو يوسف لم يخن العزيز في امرأته. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه لما قال يوسف ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ «قال له جبريل عند ذلك: ولا يوم هممت بما هممت به». قال يوسف عليه السلام: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي يعني: من الهم الذي هممت به إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يعني: بالمعصية. ويقال: القلب آمر للجسد بالسوء والإثم. يقال في اللغة: إذا أمرت النفس بشيء، فهي آمرة، وإذا أكثرت الأمر يقال: هي أمارة. فقال:
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ٥٤٥ إلى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.