قوله عز وجل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ، يعني: خبر إدريس عليه السلام. إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا، يعني: صادقاً يُخبر عن الله عز وجل، وذكر عن وهب بن منبه أنه قال: «إنما سمي إدريس لكثرة ما يدرس من كتاب الله عز وجل والسنن، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من لبس ثوب القطن، وكانوا من قبل ذلك يلبسون جلود الضأن، واسمه أخنوخ، ويقال:
إلياس». وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا، يعني: الجنة. وقال مجاهد: يعني: في السماء الرابعة.
قال: أخبرني الثقة بإسناده، عن ابن عباس، أنه سئل كعب الأحبار عن إدريس فقال كعب: «إن إدريس كان رجلاً خياطاً، وكان يقوم الليل ويصوم النهار ولا يفتر عن ذِكْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وكان يكتسب فيتصدق بالثلثين. فأتاه ملك من الملائكة عليهم السلام يقال له إسرافيل، فبشره بالجنة وقال له: هل لك من حاجة؟ قال: وددت أني أعلم إلى متى أجلي فأزداد خيراً.
فقال له: ما أعلمه، ولكن إن شئت حملتك إلى السماء. قال: فحمله إلى السماء، فلقي ملك الموت، فسأله عن أجله، ففتح كتاباً معه فقال: لم يبق من أجلك إلا سِتَّ سَاعَاتٍ أوْ سَبْعَ ساعات، وقال: أُمرتُ أن أقبض نفسك هاهنا، فقبض نفسه في السماء، فذلك قوله: رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.
وروى الكلبي، عن زيد بن أسلم، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن إدريس جد أبي نوح» وكان أهل الأرض يومئذ بعضهم مؤمناً وبعضهم كافراً، فكان يصعد لإدريس من العمل ما كان يصعد لجميع بني آدم، فأحبه ملك الموت، فاستأذن الله تعالى في خلته، فأذن له. قال: فهبط إليه في صورة غير صورته، على صورة آدمي لكيلا يعرفه فقال: يا إدريس، إني أحب أن أصحبك وأكون معك. فقال له إدريس: إنك لا تطيق ذلك. قال: أنا أرجو أن يقويني الله عز وجل على ذلك، فكان معه يصحبه. وكان إدريس عليه السلام يسيح النهار كله وهو صائم، فإذا جنّه الليل أتاه رزقه حيث يمسي، فيفطر عليه، ثم يحيي الليل كله. فساحا النهار كله صائمين، حتى إذا أمسيا أتى إدريس رزقه فأكله ودعا الآخر، فقال: لا الله الذي جعلك بشراً ما أشتهيه، فطعم إدريس ثم استقبلا الليل بالصلاة. وإدريس تناله السآمة والفترة من الليل والآخر لا يسأم ولا يفتر، فجعل إدريس عليه السلام يتعجب منه، ثم أصبحا صائمين، فساحا حتى إذا جنهما الليل أتى إدريس رزقه فجعل يطعم ودعا الآخر فقال: لا والذي جعلك بشراً ما أشتهيه فطعم إدريس.
ثم استقبلا الليل كله فإدريس تناله السآمة والفترة والآخر لا يسأم ولا يفتر، فجعل إدريس يتعجب منه، ثم أصبحا اليوم الثالث صائمين، فساحا فمرا على كرم قد أينع وطاب، فقال: يا