الخبر: أن أيوب كان بمنزلة الملك، وهو أيوب بن برضى النبي عليه السلام وكانت له أموال من صنوف مختلفة، وكانت له ضياع كثيرة، وكان له ثلاثمائة زوج ثيران، وغلمان يعملون له في ضياعه، وأموال السوائم من الغنم والإبل والبقر، وكان متعبداً ناسكاً منفقاً متصدقاً، فحسده إبليس عدو الله وقال: إن هذا يذهب بالدنيا والآخرة. وأراد أن يفسد عليه إحدى الدارين أو كلتيهما، فسأل الله تعالى وقال: إن عبدك أيوب يعبدك، لأنك أعطيته السعة في الدنيا، ولولا ذلك لم يعبدك قال الله تعالى: إِنّى أعلم منه أنه يعبدني ويشكرني، وإن لم يكن له سعة في الدنيا. فقال: يا رب سلطني عليه، فسلطه على كل شيء منه إلا على روحه.
فرجع إبليس إلى غنمه كهيئة النار، وضرب عليها فأهلك جميع غنمه، فجاءت رعاته فأخبروه بالقصة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به. ويقال: إنه أحرق غنمه ورعاته، فجاء إبليس على هيئة راع من رعاته فأخبره بذلك، فقال له أيوب عليه السلام: لو كان فيك خير لهلكت مع أصحابك. ثم جاء إلى إبله وبقره ففعل مثل ذلك، ثم جاء إلى زرعه كهيئة النار فأفسد جميع زرعه، فأخبر بذلك، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به.
وكان له سبعة بنين وثلاث بنات ويقال: سبعة بنين وسبع بنات في بيت، فجاء إبليس عليه اللعنة فهدم البيت عليهم فماتوا كلهم، فذكر ذلك لأيوب عليه السلام فحمد الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذلك، وأثنى عليه، ولم يجزع وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ. ثم جاء إلى أيوب وكان في الصلاة، فلما سجد نفخ في أنفه وفمه نفخة، فانتفخ أيوب عليه السلام وخرجت به قروح، وجعل تسيل منها الصديد، وتفرق عنه أقرباؤه وأصدقاؤه، ولم يبق معه أحد إلا امرأته.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: «كان اسم امرأته ما حين بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب، ويقال: كان اسمها رحمة. فتأذى به جيرانه وقالوا لامرأته: احمليه من هاهنا، فإنا نتأذى به. فحملته حتى أخرجته إلى كناسة قوم، ووضعته عليها، وجعلت تدخل على الناس وتخدمهم وتأخذ شيئاً وتنفقه عليه. وكان ذلك البلاء ما شاء الله. فجاء إبليس في صورة طبيب، وقال للمرأة: إني أردت أن يبرأ من علته، فمريه يشرب الخمر، ويتكلم بكلمة الكفر. فأخبرته المرأة بذلك، فقال لها: ذلك إبليس الذي أمرك بهذا، فألحَّت عليه، فغضب وقال: والله لئن برئت، لأضربنك مائة سوط. قالت: متى تبرأ؟ فقال عند ذلك: ربِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.
ويقال: إنه اشتهى شيئاً يتخذ بالسمن، فدخلت امرأته على امرأة غني من الأغنياء وسألتها ذلك، فأبت عليها. ثم نظرت إلى ذوائبها، فرأت ذوائبها مثل الحبل، فقالت: لئن دفعت إليّ ذوائبك، دفعت إليك ما تطلبين مني. فدفعت بالمقراض وقطعت ذوائبها ودفعتها إليها، وأخذت منها ما سألت، وجاءت به إلى أيوب عليه السلام فقال لها: من أين لك هذا؟ فأخبرته بالقصة، فبكى أيوب عند ذلك، وقال: رَبِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.


الصفحة التالية
Icon