قال عز وجل: وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ يعني: ليس لهم حجة على مقالتهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني: ما يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن يعني: على غير يقين وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني: لا يمنعهم من عذاب الله شيئا فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني: اترك من أعرض عن القرآن، ولا يؤمن به. وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا يعني: لم يرد بعلمه الدار الآخرة، إنما يريد به منفعة الدنيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يعني: غاية علمهم الحياة الدنيا. ويقال: ذلك منتهى علمهم، لا يعلمون من أمر الآخرة شيئاً، وهذا كقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ.
ثم قال عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعني: هو أعلم بمن ترك طريق الهدى وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى يعني: من تمسك بدين الإسلام، ومعناه: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، ولا تعاقبهم، فإن الله عليم بعقوبة المشركين، وبثواب المؤمنين، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم فقال: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا يعني: ليعاقب في الآخرة الذين أشركوا، وعملوا المعاصي وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى يعني: ويثيب الذين آمنوا، وأدوا الفرائض الخمسة بإحسانهم.
ثم نعت المحسنين فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ قرأ حمزة والكسائي:
كبير الإثم والفحش بلفظ الوحدان، والمراد به: الجنس. والباقون: كَبائِرَ الْإِثْمِ بلفظ الجماعة. قال بعضهم: كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني: الشرك بالله، وَالْفَواحِشَ يعني: المعاصي.
وقال بعضهم: كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ بمعنى واحد، لأن كل فاحشة كبيرة، وكل كبيرة فاحشة. وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال «الْكَبَائِرُ أَرْبَعَةٌ: الشِّرْكُ بِالله، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ الله». وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
الكبائر سبعة. فبلغ ذلك إلى عبد الله بن عباس، فقال: هي إلى السبعين أقرب. ويقال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة. وقيل: كل ما أصر العبد عليه فهو كبيرة، كما روي عن بعضهم أنه قال: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
قال: إِلَّا اللَّمَمَ وقال بعضهم: اللَّمَمَ هو الصغائر من الذنوب. يعني: إذا اجتنبت الكبائر، يغفر الله صغار الذنوب من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، وهو كقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١] قال مقاتل:
نزلت في شأن نبهان التمار، وذلك أن امرأة أتت لتشتري التمر، فقال لها: ادخلي الحانوت، فعانقها، وقبلها، فقالت المرأة: خنت أخاك ولم تصب حاجتك، فندم، وذهب إلى