أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ
يعني: تدور أعينهم كدوران الذي هو في غثيان الموت، ونزعاته جبناً وخوفاً فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وجاءت قسمة الغنيمة سَلَقُوكُمْ يعني:
رموكم. ويقال: طعنوا فيكم بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ يعني: سلاط باسطة بالشر أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعني: حرصاً على الغنيمة. ويقال: بخلاً على الغنيمة أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا يعني: لم يصدقوا حقّ التصديق فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ يعني: أبطل الله ثواب أعمالهم. وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يعني: إبطال أعمالهم. ويقال: عذابهم في الآخرة على الله هيّن.
ثم قال عز وجل: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا يعني: يظنون أن الجنود لم يذهبوا من الخوف والرعب وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ مرة أخرى. ويقال: حكاية عن الماضي يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يعني: تمنوا أنهم خارجون في البادية مع الأعراب يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ يعني: عن أخباركم وأحاديثكم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يعني: معكم في القتال مَّا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياءً وسمعةً من غير حسبة. وقرئ في الشاذ يُسْئَلُونَ بتشديد السين وأصله يتساءلون أي: يسأل بعضهم بعضاً. وقراءة العامة يَسْئَلُونَ لأنهم يسألون القادمين. ولا يسأل بعضهم بعضا.
قوله عز وجل: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قرأ عاصم أُسْوَةٌ بضم الألف. وقرأ الباقون: بالكسر. وهما لغتان ومعناهما واحد. يعني: لقد كان لكم اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلم وقدوة حسنة، وسنة صالحة، لأنه كان أسبقهم في الحرب. وكسرت رباعيته يوم أحد. وَوَاسَاكُمْ بنفسه في مواطن الحرب.
لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يعني: يخاف الله عز وجل: وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً باللسان وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ يعني: الجنود يوم الخندق والقتال قالُوا هذا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ في سورة البقرة وهو قوله عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: ٢١٤] الآية. ويقال: إنه قد أخبرهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه نازل ذلك الأمر. فلما رأوه قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً يعني: لم يزدهم الجهد والبلاء إلا تصديقاً لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم وَجُرْأَةً وَتَسْلِيماً يعني: تواضعاً لأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
ثم نعت المؤمنين:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٣ الى ٢٧]
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧)