فقال عز وجل: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ يعني: وفوا بالعهد الذي عاهدوا ليلة العقبة فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ يعني: أجله فمات. أو قتل على الوفاء.
يعني: وفاء بالعهد. وقال القتبي: النحب في اللغة النذر. وذلك أنهم نذروا، إذا لقوا العدو أن يقاتلوا فقتل في القتال، فسمي قتله قضاء نحبه، واستعير النحب مكان الموت. وقال مجاهد:
النحب العهد.
وروى عيسى بن طلحة قال: جاء أعرابي فسأل النبيّ صلّى الله عليه وسلم عن الذين قضوا نحبهم فأعرض عنه. وطلع طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ». ثم قال عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني: ينتظر أجله وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا يعني: ما غيّروا بالعهد الذي عهدوا تغييراً.
ثم قال عز وجل: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ يعني: الوافين بوفائهم وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ يعني: إذا ماتوا على النفاق إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ يعني: يقبل توبتهم إن تابوا إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً لمن تاب منهم رحيما بهم قوله عز وجل: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: صدهم وهم الكفار الّذين جاءوا يوم الخندق بِغَيْظِهِمْ يعني: صرفهم عن المدينة مع غيظ منهم لَمْ يَنالُوا خَيْراً يعني: لم يصيبوا ما أرادوا من الظفر والغنيمة وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ يعني: دفع الله عنهم مؤنة القتال حيث بعث عليهم ريحاً وجنوداً.
وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً فلما رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلم من الخندق دخل المدينة، ودخل على فاطمة- رضي الله عنها-، وأراد أن يغسل رأسه. فجاءه جبريل- عليه السلام-: وقال: لا تغسل رأسك، ولكن اذهب إلى بني قريظة. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ويقال: إن جبريل- عليه السلام- قال له حين وضع سلاحه: وضعت سلاحك؟ قال: «نعم» قال: ما وضعت الملائكة- عليهم السلام- سلاحها بعد، وقد أمرك الله عز وجل أن تنهض نحو بني قريظة، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الناس فقال: «عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لا تُصَلُّوا العَصْرَ إلاّ بِبَنِي قُرَيْظَة». فلبس رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلاحه وخرج المسلمون معه، واللواء في يد علي بن أبي طالب- رضي الله


الصفحة التالية
Icon