ذكرهم ووصفهم «فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١» يترددون من الحيرة في تمردهم وعتوهم ولكنا بمقتضى الحكمة الأزلية لا نعجل الشر لهم ولا ننقص أجلهم عما هو مقدر لهم، بل نمهلهم ونستدرجهم، لا نتركهم ولا نهملهم، وسنفيض عليهم النعم ونغريهم بالمال والجاء حتى تلزمهم الحجة ويستكملوا جميع ما قدر لهم في أزلنا الذي لا يتبدل، ثم نأخذهم على غرة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله ﷺ أللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وتقربة بها إليك يوم القيامة، واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة. ولا يقال إن هذه الآية أي (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) إلخ لم تنزل بعد، فلا يصح أن تكون الآية المفسرة سببا للنزول في حق القائل لأن الكفرة كانوا يتقولون بما في معناها كلما سمعوا آية وعيد أو تهديد أو تخويف من حضرة الرسول ﷺ بدليل طلبهم استعجال العذاب مثل قولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الآية المنوه بها آنفا وأمثالها، ولأن آية الأنفال لم يكن نزولها في المدينة المنورة كي يحتج بها هذا القائل لأنها نزلت بمكة منفردة عن سورتها وليست هي وحدها بل ما قبلها وما بعدها من الآية ٢٠ إلى ٢٦ نزلت بمكة حكاية عن حالتهم السابقة وتهكم بهم كما سنأتي على ذكرها وسببها عند تفسيرها في القسم المدني إن شاء الله وقد أعمي الله قلب النضر المذكور عن أن يقول اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه ووفقنا له بدلا من أن يقول (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) إلخ، ولكن توغله في الضلال وتماديه في العناد أداء إلى قوله ذلك، لأن اللسان ينطق بما يتلقاه عن القلب والدنّ ينضح بما فيه من خذلان الله إياه، قال تعالى «وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ» الشدة والضنك «دَعانا لِجَنْبِهِ» مضجعا «أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً» أي أنه يثابر على الدعاء في جميع أحواله وحالاته «فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ» الذي أنهكه بعد أن التجأ إلينا ودعانا «مَرَّ» مضى واستمر على حالته الأولى من الإعراض عنا ونسي حالة الجهد والبلاء ولم يركن إلينا ويدعنا شكرا على رحمتنا به وإجابتنا لدعائه، وصار من شدة غفلته وعمهه وإعراضه وانهماكه في زخارف الدنيا وشهواتها