الآيات تخبر العارف بصواب الحكمة المتقنة، وتهيء المعاني للقلوب الطاهرة على تصديق ما تخبر به قومك، وتلهب قلوب أهل للعزم صادقي النيّة على تأييدك فيما تبشر به وتنذر. فيا أكمل الرسل «أَكانَ لِلنَّاسِ» أهل مكة وغيرهم «عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ» عظيم القدر جليل الخلق (بدلالة هذا التنوين المأتي به للتبجيل) وجعلنا ذلك الرجل الخطير الذي أهلناه لوحينا وللخلافة في أرضنا «مِنْهُمْ» من أحسنهم حسبا وأشرفهم نسبا، وقلنا له «أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ» قومك من أهل مكة وغيرهم من سائر الخلق العاقل بأن ينتهوا عما هم عليه من عبادة غير الله الواحد، ومن الأفعال والأعمال الذميمة ويرجعوا عن الكفر، أو ينزل بهم عذاب لا طاقة لهم به «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا» منهم بك وصدقوا ما تتلوه عليهم من هذا القرآن وأقلعوا عما هم عليه من الكفر ودواعيه.
«أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ» منزلة ومكانة «صِدْقٍ» سابقة رفيعة أي قد سبق لهم عند الله خير. قال ذو الرّمة:
وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة | لهم قدم معروفة ومفاخر |
لأن القدم كل ما قدمت من خير وهو كناية عن العمل الذي يتقدم فيه الإنسان، وأطلق لفظ القدم على هذا المعنى لأن السعي والسبق يحصل به، فسمي المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد، وفي إضافة القدم إلى الصدق التنبيه على زيادة الفضل. وقال بعض المفسرين المراد به الشفاعة وأنشد:
صل لذي العرش واتخذ قدما | ينجيك يوم العار والزلل |
والقدم هو العضو المخصوص، وقد يراد منه التقدم المعنوي أي المنازل الشريفة قال حسان:
لنا القدم العليا إليك وخلقنا | لأولنا في طاعة الله تابع |